كبريانوس هو أول أب ومعلم للكنيسة الغربية.
لو كان ترتليانوس هو أول لاهوتي عظيم للغرب اللاتيني، فإن كبريانوس هو أول لاهوتي أرثوذكسي للغرب، أول أسقف لاهوتي وأول أسقف شهيد لأن كل من إيريناؤس وهيبوليتوس كتبا باللغة اليونانية وينحدران من حيث الأصل ـ من الشرق.
ومن الجدير بالملاحظة أن الشمال الأفريقي إستمر على تفوقه اللاهوتي أمام روما، التي أمام المواضيع الكنسية (علي سبيل المثال المعمودية) تراجعت للإشعاع القادم من الكنيسة الأرثوذكسية في شمال إفريقيا.
إذ لدينا في الشمال الأفريقي المجامع الأولي للغرب المسيحي (قرطاجنة: مجمع عام200م وكان يضم سبعون أسقفًا، ومجمع عام 240م و 256م كان يضم ثمانون أسقفًا)،
يبين هذا أن في أحضان الكنيسة نمى التعليم اللاهوتي والوعي الكنسي بالإستقلال عن روما ليس سياسيًا بل لاهوتيًا. هذا الوعي الكنسي واللاهوتي وَجدَّ في كبريانوس السند القوي، لأنه بحضوره ونظامه ولاهوته أعطى التطلع الأرثوذكسي في عقل وفكر الكنيسة، شيئًا سريعًا ما أُعترف به في كل الكنيسة الغربية.
صار كبريانوس في الكنيسة كاتب وراعي وشاهد وأب ومعلم في فترة زمنية تبلغ 12 عامًا فقط. آتى من أسرة وثنية، نال المعمودية سنة 246م أو 245م وإستشهد سنة 258م. والجدير بالإعجاب أنه بالرغم من الفترة القصيرة التي قضاها في الكنيسة، بيد أنه أُعترف به كحامل أصيل للتقليد الكنسي، والإناء القوي المختار، والذي بواسطته ساعد الروح القدس الكنيسة أن تتخطى الأزمة المؤثرة التي كانت في عصره.
التعليم اللاهوتي بواسطة كبريانوس تخطى التركيز على جانب واحد فقط والتي إشتهر بها ترتليانوس، وذلك بإدارك كاثوليكية الكنيسة أي جامعة الكنيسة.
ومن المعروف أن كبريانوس تأثر جدًا بأعمال ترتليانوس وحماسه في الدفاع عن الحق، وهذا يظهر في أعماله الأخلاقية التي كتبها في السنوات الأولى لنشاطه التعليمي المسيحي. لكن منذ سنة 250م إبتدأ كبريانوس يُعبر عن ما غاب من أعمال ترتليانوس: التقليد، الوعي الكنسي، الفهم المستقيم والجرأة في مواجهة أزمة عصره اللاهوتية.
أساسيات تعليم كبريانوس اللاهوتي
1ـ الثبات على التقليد (أنظر رسالة 9:74).
2ـ تقديم أفكاره كأنها تفسير للكتاب والإستخدام الضيق للثقافة الكلاسيكية، بالرغم من أنه قد درَّسها وكان يعرفها.
3ـ القيادة والإستنارة بالروح القدس (انظر رسالة 3:11. 4:16. 1:36ـ2) واجَّه كبريانوس، مثل كل الآباء العظام، الأزمة التي واجهتها الكنيسة في عصره، ورفع المشكلة من المستوى العملي إلى المستوى التعليمي اللاهوتي: وحدة الكنيسة والمعمودية.
وهكذا قدَّم التعاليم اللاهوتية الهامة الخاصة بالمشكلة التي واجهتها الكنيسة. تميز تعليم كبريانوس بإبتعادة عن إستخدام الفلسفة الكلاسيكية والمصطلحات الميتافزيقية. لقد حاول أن يؤسس تعليمه على الكتاب المقدس وتقليد الكنيسة مع الإنقياد بالروح القدس، لكي يعبر بذلك عن الحق. واجهت الكنيسة في عصر كبريانوس أمورًا خطيرة هددت أصالتها ووحدتها، وتتلخص هذه الأزمة في ثلاثة موضوعات لاهوتية واجهها كبريانوس هي الآتي:
1ـ الغفران أم لا للمسيحيين الذين بخروا للأوثان وقت الإضطهاد وقدموا وثيقة بأنهم فعلوا ذلك تجنبًا من الإستشهاد.
2ـ وحدة الكنيسة خصوصيًا في الغرب اللاتيني حيث الوعي بالتقليد الكنسي لم يكن يحتل الصدارة في تعليمهم، فإنفصلت جماعات كانت تنتمي للكنيسة وكونوا لأنفسهم كيان منفصل عن الكنيسة، على سبيل المثال أيام ترتليانوس: المونتانيون.
3ـ التصديق أم لا على معمودية الهراطقة.
الإجابة على هذه المشاكل الثلاثة يرتبط إرتباطًا مباشرًا بأصالة ووحدة الكنيسة وبالتالي بخلاص المؤمنين.
سر التوبة
مجموعات المونتانيين الصارمين زعمَّوا أن الكنيسة لا ينبغي، بل ولا تستطيع أن تغفر للتائبين الساقطين (Lapsi)، آخرون من الإكليروس قبَّلوا التائبين بمجرد إعلان رغبتهم للرجوع إلى الكنيسة أو بوثيقة غفران أخذوها من معترف الإيمان.
لقد رأى كبريانوس بمعرفة التعاليم اللاهوتية لديونيسيوس الكورنثي (القرن الثاني) أن الحالتين تأتيان في تضاد مع سر التوبة.
لأن الكنيسة لا تستطيع أن تغفر للساقطين أو تقبلهم بدون توبة عملية أو تجعل غير الإكليروس يقومون بهذا العمل نيابة عنها. إذن موقف كبريانوس أمَّن أصالة الكنيسة وسيادتها لأنها قبلت الساقطين بشرط أن يُظهروا توبة عملية لأن الخطية تُرفع فقط بالتوبة، والتي ستُعلن فقط للأكليروس، لأنهم هم وحدهم نالوا من الكنيسة نعمة قبول التائبين وإعلان غفران الكنيسة لهم. هكذا صار مفهومًا أن كل المشاكل الكنسية العملية هي مشاكل تعليمية لاهوتية وكل المشاكل التعليمية هي عملية.
سر وحدة الكنيسة
الإنشقاقات المتنوعة التي ظهرت في الكنيسة الغربية سببَّت أزمة عميقة للمسيحيين الذين إنتابهم الشك في فرادة ووحدة الكنيسة.
واجَّه كبريانوس هذه المشكلة التي واجهها من قبله إغناطيوس الأنطاكي. لذلك تعاليم كبريانوس بشأن وحدة الكنيسة والأسقف هي إمتداد لتعاليم إغناطيوس. العنصر الجديد هنا هو بالحري تشديده على أن الرب أسَّس فقط كنيسة واحدة ولأجل هذا، الأسقفية هي واحدة. الإشتراك التام في رتبة الأسقفية الفريدة تمثل ضمان لأصالة أو جامعية الأسقف.
وتعليمه هذا مؤسس على كلمات الوحي الإلهي نفسه، فهو يعتبر الأسقفية "موهبة" والأسقف لابد أن يكون متوشحًا بالروح، وكل إيبارشية لها ملاكًا وكارزًا وراعيًا متمثلاً في شخص أسقفها، وكل أسقف يشغل مكان القديس بطرس الرسول داخل الكنيسة، وله نفس السلطان المُعطى للرسل الإثنى عشر، يتوارثه الأساقفة جيلاً من بعد جيل "إرع خرافي. إرع غنمي" (يو15:21).
وفي رسالته رقم(26) يرى أن الأسقفية هي إدارة الكنيسة التي تعبر عن وحدتها فهي تمثل الكنيسة، وتوجد من أجل الكنيسة، وهي تصير ذات معنى فقط في مضمون وجود الجماعة الحية للكنيسة خلال الأسرار والرعاية والشركة والشهادة.
الكنيسة هي المجال الروحي الذي من أجله يعيش الأسقف ويعمل ويجاهد ويرعى ويسهر، وهي بدورها تسنده وتحوطه بتعاليمها وصلوات أعضائها.
كذلك يربط القديس كبريانوس بين الأسقف والرعية (أعضاء جسد المسيح السري) تمامًا، فيقول في رسالته رقم (68): " الكنيسة بالأسقف والأسقف بالكنيسة" وأيضًا في رسالته (82): " الأسقف حينما يعترف بالإيمان، إنما ينطق بفم الشعب، بإلهام الله".
الكنيسة عنده هي الأسقف والإكليروس والمؤمنين (رسالة 10) الذين هم ثابتين في الإيمان. ويصف الرعية بأنهم "الشعب المسيحي" و "الجنس الإلهي" الذي نال الميلاد الثاني بالمعمودية التي بها يصير الكل أولاد لله وإخوة.
لذا أصَّر على الإنتخاب الشعبي للأسقف، فمن حق الشعب أن يختار راعيه ومن حقه أن يرفضه إذ أعتنق الهرطقة أو كان غير مستحق.
يحض القديس كبريانوس أعضاء الكنيسة بالحفاظ على وحدتها، فالأسقفية واحدة، كل جزء منها يحفظه كل واحد من أجل الكل، والكنيسة أيضًا واحدة، وهي منتشرة بعيدًا ومتسعة في جموع كثيرة بسبب تزايد ثمارها، ويعرف القديس كبريانوس أمثلة توضح بشكل رائع وحدة الكنيسة، قائلاً:
" كما أن هناك أشعة كثيرة للشمس لكن نور واحد، وكما أن هناك أغصان كثيرة للشجرة لكن قوة واحدة مؤسسة على جذرها القوي المتماسك، وكما أنه من النبع الواحد تنبع عدة جداول مائية ـ رغم أن الكثيرة تبدو منتشرة في إتساع غنى فائض وفير ـ إلا أن الوحدة محفوظة في الأصل والمصدر ...إفصل شعاع الشمس عن النور، تجد أن وحدة لا تسمح بتقسيم أو إنقسام النور، أكسر غصنًا من شجرة، تجده لا يستطيع أن ينبت براعم أو يزهر، إفصل جدول عن نبعه تجده جف.. هكذا أيضًا الكنيسة التي أشرق عليها نور الرب، تشع بأشعتها على العالم كله، ومع ذلك، هذا النور المنتشر في كل مكان هو نور واحد، فوحدة الجسد لا تنقسم ولا تنفصل"[1].
وللقديس كبريانوس قول شهير: " فلا يمكن لذاك الذي ليست الكنيسة أمه أن يتخذ الله أبًا له"، " ولو كان أي من الذين كانوا خارج فلك نوح قد إستطاع أن ينجو، لإستطاع ذاك الذي هو خارج الكنيسة أن ينجوا أيضًا".
ويعرض لنا كبريانوس مثال رائع لوحدة الكنيسة والتي يراها في قميص المسيح:
" إن سر الوحدة هذا، ورابطة السلام المتماسكة بلا إنفصال هذه، قدمه لنا الإنجيل في صورة قميص المسيح الذي لم يُقسم ولم يُقطع، فقد أخذه هؤلاء الذين ألقوا القرعة على ثياب الرب كقميص كامل غير مُقسم ولا منقسم، هؤلاء الذين كان يجب عليهم أن يلبسوا المسيح كله من فوق، فقال بعضهم لبعض لا نشقه بل نقترع عليه لمن يكون" (يو23:19ـ24). هذا القميص يحمل معه وحدة أتت من الرأس، أتت من السماء والآب، ويجب ألا يمزقها أبدًا من يأخذها ويستلمها، بل بعيدًا عن كل إنقسام، ننال كمالاً تامًا متماسكًا قويًا، وذاك الذي يُقسم كنيسة المسيح لا يستطيع أن يقتني قميص المسيح"[2].
كتاباته
لدينا ثلاثة قوائم قديمة بأعماله، الأولى موجودة في سيرته التي كتبها شماسة بونتيوس الذي يصف في الفصل السابع في شكل أسئلة محتويات الإثنى عشر كتابًا كما تظهر في المخطوطات القديمة.
والقائمة الثانية نشرها مومسن من مخطوطة رقم (12266 s.X) في مكتبة فيليب في شيلتينهام عام 359م ويذكر أيضًا عددًا من الرسائل.
أما القائمة الثالثة فنجدها في عظة للقديس أغسطينوس عن القديس كبريانوس نشرها ج. مورين G.Morin
الكتب
1ـ إلى دوناتوس
هو أقدم كتابات القديس كبريانوس، وقد أرسله إلى صديقه دوناتوس، يصف فيه التأثير الرائع للنعمة الإلهية في قبوله للإيمان المسيحي. كُتب بعد معمودية كبريانوس بفترة قصيرة، والتي كانت في الغالب في عشية عيد القيامة عام 246م.
2ـ ثياب العذارى
كأسقف مهتم بالتلمذة المسيحية، يخاطب كبريانوس في هذا الكتاب العذارى ويعلمهن عن مخاطر العالم الوثني بكل شروره وأباطيله التي تحيط بهؤلاء اللائي كرَّسن بتوليتهن للمسيح، وعرائس المسيح يجب أن يلبسن ثيابًا بسيطة ويبتعدن عن المجوهرات والتزيين والمساحيق. وفي الغالب كتب القديس كبريانوس هذا العمل بعد سيامته الأسقفية عام 249م بزمان قليل، والمصدر الأساسي الذي اعتمد عليه كبريانوس هو كتاب ترتليان "عن ثياب النساء".
3ـ عن المرتد
كتب كبريانوس هذا العمل بعد عودته من مخبأه أثناء إضطهاد ديسيوس في ربيع عام 251م، وبعد أن يشكر الله على إعادة السلام، يمدح كبريانوس الشهداء الذين قاوموا العالم والذين قدموا مشهدًا مجيدًا في عيني الرب وكانوا مثالاً وقدوة لإخوتهم، وعلى أية حال، سرعان ما يتحول فرحة إلى حزن بسبب سقوط الكثيرين أثناء الإضطهاد وضعفهم،
ويتحدث عن هؤلاء الذين ضحوا للآلهة حتى قبل أن يُرغموا على ذلك، وعن الوالدين الذين جعلوا أطفالهم يشاركون في هذه الطقوس، وخاصة هؤلاء الذين أنكروا الإيمان بسبب محبتهم العمياء للقنية، ولا يمكن أن يُعطي لهم الغفران بسهولة، ويحذر المعترفين من التشفع لهؤلاء الناس، وقال أن التساهل معهم لن يؤدي إلا إلى منعهم من تقديم التوبة المناسبة، وفقط هؤلاء الذين ضعفوا بسبب عذابات عظيمة يستحقون الرحمة.
على أية حال، هؤلاء جميعهم يجب أن يخضعوا لقانون التوبة، وحتى هؤلاء الذين إستطاعوا أن يقدموا شهادات بأنهم ذبحوا للأوثان دون أن يدنسوا أياديهم بمشاركة فعلية في هذه العبادات الوثنية يجب أن يخضعوا لقانون التوبة لأنهم دنسوا ضمائرهم.
وقد قُرأ هذا الكتاب في المجمع الذي عُقد في قرطاج في ربيع251م وصار أساس الإجراءات الثابتة التي تُتخذ في موضوع المرتدين الصعب في كنيسة شمال إفريقيا كلها.
4ـ وحدة الكنيسة
كان لكتاب وحدة الكنيسة تأثيره القوي دائمًا، وهو يقدم لنا مفتاح شخصية كبريانوس وكل ما كتبه، سواء كتب أو رسائل، ويبدو أنه قد كُتب بالدرجة الأولى بسبب إنشقاق نوفاتيان وكذلك بسبب إنشقاق فليسيسيموس في قرطاج، وأغلب الظن أن كبريانوس كتب هذا العمل بعد عودته إلى قرطاج، في مايو 251م وقت المجمع المنعقد هناك، ومن رسالته رقم 54، نعلم أنه أرسله إلى المعترفين الرومان الذين كانوا لا يزالون يتبعون نوفاتيان ويقاومون كورنيليوس أسقف روما، وقد تمت المصالحة بينهم وبينه (أي كورنيليوس) قبل نهاية عام 251م.
5ـ الصلاة الربانية
أغلب الظن أن كبريانوس كتب هذا العمل بعد كتابه "وحدة الكنيسة"بزمن قليل، وبالتالي يمكن أن يكون تاريخ كتابته هو نحو نهاية عام251م أو بدايات عام 252م. وقد استخدم كبريانوس كتاب العلامة ترتليان عن الصلاة الربانية ولكن بقدر محدود إذ أن شرح كبريانوس أعمق وأشمل.
6ـ إلى ديمتريانوس
هذا الكتاب عبارة عن رد على شخص ما يُدعى ديمتريانوس إتهم المسيحيين بأنهم المسؤولون عن المصائب التي حلت مؤخرًا من حرب ومجاعة وجفاف، ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تعزي فيها المصائب إلى المسيحيين بسبب عدم وفائهم لآلهة روما القديمة، وقد واجه ترتليان هذه الإفتراءات وتصدى لها، ولم يكن كبريانوس آخِر منْ دافع عن المسيحيين ضد هذه الإشاعات، فقد تناول أغسطينوس هذا الموضوع أيضًا وأجاب عليه بإستفاضة في كتابه "مدينة الله"، وذلك بعد أن تناول كاتبان أفريقيان آخران نفس الموضوع وهما أرنوبيوس ولاكتانتيوس.
7ـ الموت
ما إن إنتهى إضطهاد ديسيوس، والذي قُتل فيه كثيرون، حتى حل وباء مرعب نشر الفزع والموت في عام 252م، ولكي يشرح كبريانوس معنى الموت بالنسبة للمؤمنين، كتب كتابه "الموت" في ذلك الوقت.
8ـ الأعمال والصدقات
في نفس تاريخ كتابه "الموت"، وضع كبريانوس عمله "الأعمال والصدقات" والذي يحث على العطاء الحر، فالوباء المدمر ترك الكثيرين فقراء مجردين من كل شيء، وهنا وجدت المحبة المسيحية فرصة رائعة لمساعدة المحتاج والمريض والمحتضر.
9ـ فائدة الصبر
بنى القديس كبريانوس كتابه عن فائدة الصبر على عمل ترتليان عن الصبر، وتُظهر المقارنة بين العملين أن إعتماد كبريانوس الأدبي فيه على عمل ترتليان هو أكثر من إعتماده على أي عمل آخر من أعمال ترتليان ويتضح ذلك بالأخص في الإطار العام وإختيار التشبيهات، إلا أن الفرق بين الكتابين في الروح واللغة يظل واضحًا تمامًا كما هو الحال مثلاً في وصف أيوب.
الكتاب كان عبارة عن عظة، وفي رسالة كبريانوس إلى جوبيانوس، وهو في الغالب كان أسقفًا لموريتانيا، يذكر أنه قد كتبه نحو عام 256م.
10ـ الغيرة والحسد
يُعتبر هذا الكتاب ملحقًا بكتاب "عن فائدة الصبر"، ويُعتقد أنه قد كُتب في النصف الثاني من عام 251م أو عام 252م.
11ـ حث على الإستشهاد مُرسل إلى فورتوناتوس
هذا الكتاب عبارة عن مجموعة من النصوص الكتابية، وقد وضعه كبريانوس استجابة لطلب شخص يُدعى فورتوناتوس، ليقوي ويعضد المسيحيين أمام الإضطهاد القادم، والنصوص مرتبة فيه تحت 12 عنوانًا، وهكذا يقدم كبريانوس مادة مجردة وليس شرحًا كاملاً.
ويشير هذا الكتاب إلى أحد الإضطهادات، وقد تباينت آراء العلماء حول الإمبراطور المقصود هنا، وعما إذا كان إضطهاد داسيان أو فاليريان، ويُعتقد أنه قد كُتب نحو عام 253م.
12ـ إلى كويرينوس: كتب العهود الثلاثة
رغم أن كتابه "إلى فورتوناتوس" له قيمة عظيمة في تاريخ أقدم النسخ اللاتينية للكتاب المقدس، إلا أنه ليس هناك كتاب من كتابات كبريانوس له أهمية في هذا الصدد مثل كتابه "إلى كويرينوس" والذي يتكون من العديد جدًا من الآيات الكتابية المُجمعة معًا تحت مجموعة من العناوين.
وقد قسمه كبريانوس في البداية إلى كتابين ثم أضاف إليه كتابًا ثالثًا.
الكتاب الأول هو دفاع ضد اليهود، أما الكتاب الثاني فيتناول موضوع الخريستولوجي، وترتيبه شبيه بذاك الذي في كتاب "إلى فورتوناتوس"، ويتضمن الكتاب الأول 24 عنوانًا جانبيًا، بينما يتضمن الثاني 30 عنوانًا جانبيًا.
أما الكتاب الثالث فله مقدمته الخاصة به، والتي توضح أن كبريانوس قد وضعه بناءً على طلب ثان من كويرينوس، وهو ملخص للأخلاقيات المسيحية ومرشد للفضائل ويتكون من 120 موضوعًا تبع كل منها الأدلة والبراهين من الكتاب المقدس.
ولأن المقدمة لا تشير إلى الكتابين الأول والثاني، لذلك لا نستطيع الجزم بما إذا كان كبريانوس قد جمع الكتب الثلاثة معًا أم لا، وأغلب الظن أنه جمع الثلاثة معًا بعد كتابتهم بفترة، ويعتقد الباحثون أن تاريخ هذا العمل لابد أن يكون قبل عام 249م.
13ـ عن أن الأصنام ليست آلهة
يهدف هذا البحث الصغير في جزئه الأول (1ـ7) إلى إثبات أن الأصنام الوثنية ليست آلهة بل كانوا ملوكًا سابقين، ويسبب ذكراهم الملوكية، بدأت عبادتهم بعد موتهم، ولكي تُحفظ ملامح هؤلاء الذين رحلوا، نُحتت التماثيل لهم، وذبح الناس الذبائح والضحايا واحتفلوا بأعيادهم كرامة لهم، كما يمكن إثبات ذلك من التاريخ، وليس هناك أي داع للربط بين هذه الممارسات الدينية وبين القحط الذي حل بروما.
أما الجزء الثاني (8ـ9) فيظهر أن هناك إله واحد فقط، غير منظور وغير مدرك، ثم يقدم في الجزء الثالث فكرًا خريستولوجيًا مبسطًا.
الرسائل
تمثل رسائل القديس كبريانوس مصدرًا غنيًا لمعرفة تاريخ هذه الحقبة من حياة الكنيسة، فهي تعكس مشكلات وجدالات الإدارة الكنيسة في نحو منتصف القرن الثالث.
ويرجع تاريخ تجميع هذه الرسائل إلى زمن بعيد، وقد بدأ فعلاً عندما رتب كبريانوس بعضًا من رسائله بحسب محتواها وأرسل نسخًا منها إلى مراكز مسيحية مختلفة وإلى الأساقفة زملائه، كما جُمعت مجموعات أخرى من الرسائل من 81 رسالة، 65 منها بقلم كبريانوس، و16 مرسلة إليه أو إلى إكليروس قرطاج.
والرسائل من 5ـ43 كُتبت عندما كان كبريانوس في مخبئه في فترة إضطهاد ديسيوس ومنها 27 رسالة إلى إكليروس قرطاج وشعبه.
ومراسلاته مع البابا كورنيليوس وليسيوس تتمثل في الرسائل من 44ـ61، 64، 66، ومنها رسالة (44ـ55) عن إنشقاق نوفاتيان.
والرسائل من 67ـ75 كتبها أثناء أسقفية أستفانوس (254ـ257م) وهي تتناول الجدال حول المعمودية، والرسائل 78ـ81 أرسلها من منفاه الأخير.
أما باقي الرسائل 1ـ4، 62ـ 65، فقد كتبها كبريانوس بنفسه لكن لا نستطيع أن نصنفها تاريخيًا لأنها لا تتضمن أي إشارة إلى تاريخ كتابتها.
والرسالة 63 تُعتبر كتابًا وتُسمى أحيانًا " سر كأس الرب" وتتحدث عن سر الإفخارستيا كما يتضح من إسمها.
لكن هذه المجموعة غير مكتملة، لأن هناك إشارات لرسائل أخرى فُقدت، والمخطوطة الوحيدة التي تحتوي هذه الرسائل الـ 81 لا تُعتبر فقط مصدرًا هامًا في تاريخ الكنيسة والقانون الكنسي، بل وأيضًا أثرًا متميزًا في اللاتينية المسيحية.
دكتور / جورج عوض ابراهيم
دكتوراة فى العلوم اللاهوتية
باحث بالمركز الارثوذوكسى للعلوم اللاهوتية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] كتاب وحدة الكنيسة، ص73ـ74.
[2] كتاب وحدة الكنيسة، ص75.