كيرلس اسقف اورشليم

قس الموعوظين
وُلد بأورشليم أو بإحدى قراها عام 315م. سيم شمّاسا سنة 335م ثم قسّا سنه 345م. وبالرغم من حداثة القس كيرلس عهد إليه الأسقف مهمة تعليم الموعوظين لتأهيلهم لنوال سرّ المعمودية، كما جعله يعظ في أيام الآحاد والأعياد.
سيامته أسقفًا
اُختير هذا الأب في سنة 348م خلفًا للأنبا مكسيموس أسقف أورشليم نظرًا لعلمه وتقواه بواسطة أكاكيوس أسقف قيصرية. وللأسف إذ كان أكاكيوس أريوسيًا حامت الشكوك حول كيرلس.
لكن سرعان ما دخل في صراع مع أكاكيوس والأريوسيين مدافعًا عن التعاليم النقية الخاصة بلاهوت السيد المسيح.
منازعات بينه وبين أكاكيوس أسقف قيصرية
 لم يلبث على كرسيه طويلاً حتى حصلت منازعات بينه وبين أكاكيوس أسقف قيصرية فيمن منهما له حق التقدم على الآخر، وكانت حجّة كيرلس في ذلك أنه خليفة القديس يعقوب أحد الاثنى عشر رسولاً.
حدث أن انتهز أكاكيوس فرصة بيع الأنبا كيرلس لأواني الكنيسة وإنفاقها على المعوزين على أثر مجاعة شديدة حلت بفلسطين، فبذل المساعي هنا وهناك حتى حصل على أمر بنفيه من البلاد، فنفي ولم يستمع أحد إلى دعواه.
وفى سنة 359م استأنف دعواه أمام مجمع سلوكية فدعا المجمع أكاكيوس ليسمع منه حجته فلم يحضر، فحُكم عليه بالعزل، وطلب إعادة كيرلس إلى كرسيه فعاد.
لم يمكث طويلاً لان أكاكيوس أغرى الملك قسطنطس بعقد مجمع في القسطنطينية، وشايعه الأساقفة الأريوسيون فعُقد هذا المجمع في سنة 360م وأصدر أمره بعزل هذا القديس مرة ثانية.
ولما مات قسطنطس وخلفه يوليانوس أمر بعودة الأساقفة المنفيين إلى كراسيهم، فعاد هذا القديس إلى كرسيه سنة 362م وأخذ يرعى شعبه بأمانة واستقامة.
لأنه كان يقاوم الأريوسيين سعوا إلى الملك فالنس الأريوسي حتى أبطل أمر يوليانوس سلفه القاضي بعودة الأساقفة المنفيين إلى كراسيهم، وهكذا عزل هذا القديس للمرة الثالثة فبقى منفيًا إلى أن مات فالنس في سنة 379م.
ولما تملّك ثيؤدوسيوس الكبير وجمع مجمع المائة والخمسين على مقدونيوس، حضر فيه هذا الأب وقاوم مقدونيوس وسابيليوس وغيرهما من المبتدعين، تنيح بسلام سنة 386م.
كتاباته
 تعتبر أهم كتاباته "مقالاته للموعوظين"، وهي 24 مقالاً، الأولى مقدمة و23 أخرى. من هذه المقالات 18 أُلقيت في فترة الصوم على المستعدين للعماد، ربما عام 350م، في كنيسة القبر المقدس. أُلقيت شفاهًا وسجّلها أحد السامعين.
هذه المقالات لها أهميتها العظمى كشاهد لطقس المعمودية ومفهومها اللاهوتي في القرن الرابع. أما المقالات الخمس فقد أُلقيت على المعمّدين حديثًا خلال الأسبوع الأول من عيد القيامة، تشرح ليتورجية الأسرار الثلاثة التي تمتّعوا بها في ليلة العيد وهي: العماد والميرون والتناول.
نسب البعض هذه المقالات الخمس للأسقف يوحنا خليفة القديس كيرلس الأورشليمي غير أن Quasten يرى أنها من عمل القديس كيرلس الأورشليمي، ومراجعة خليفته.
من كتاباته
آمن أن ابن الله الوحيد قد نزل إلى الأرض من أجل خطايانا، أخذ الناسوت خاضعًا لمشاعرنا، مولودًا من العذراء القديسة بالروح القدس.
لم يكن هذا مظهرًا أو تخيلاً بل حقيقة، فإنه لم يجتز في العذراء كما من قناة، بل بحق أخذ منها جسدًا وتقوّت بلبنها. أكل كما نأكل، وشرب كما نشرب نحن! فلو كان التجسد خيالاً لكان خلاصنا أيضًا خيالاً .
 استخدم الشيطان الجسد سلاحًا ضدنا (رو23:7). هكذا نحن قد خلصنا بذات الأسلحة التي حاربنا بها الشيطان، إذ أخذ الرب شبهنا ليُخلص الطبيعة البشرية.
صار مثلنا حتى يهب فاقدي النعمة نعمة عظيمة، ويصير الإنسان الخاطئ شريكًا لله! لأنه حيث كثرت الخطية ازدادت النعمة جدًا. تألم الرب عنا، لكن لو عرفه الشيطان لما تجاسر للاقتراب منه، "فإنهم لو عرفوا لما صلبوا رب المجد". لقد صار جسده مصيدة للموت، حتى إذ أمل الوحش أن يبتلعه، أخرج أيضًا من أحشائه الذين سبق فابتلعهم.
فإن الموت إذ تقوّى ابتلعنا، لكن الله يمسح كل دمعة من كل وجه .
لا تعجب أن العالم كله يخلص، فإنه ليس إنسانًا مجرد بل هو ابن الله الوحيد، الذي مات عن العالم. حقًا إنه بخطية واحد، أي آدم، ملك الموت على العالم، فإنه إن كان بمعصية واحدٍ ملك على العالم، فكم بالأحرى تملك الحياة ببر واحدٍ؟!
إن كانوا قد طُردوا من الفردوس بسبب الشجرة التي أكلوا منها أليس من الأسهل أن يدخل المؤمنون الفردوس بسبب شجرة يسوع؟!
إن كان الإنسان الأول، الذي وجد من الأرض، جلب العالم للموت أليس بالأولى يجلب خالقه الحياة الأبدية إذ هو نفسه الحياة؟!
إن كان فينحاس في غيرته رد غضب الله بقتله فاعليّ الشر (عد 6:25-12)، كم بالأحرى يسوع الذي لم يقتل آخر بل "أسلم نفسه فدية" ينزع غضب الله عن الإنسان؟!

عن قاموس اباء الكنيسة وقديسيها