القديس باسيليوس الكبير

حياة باسيليوس 
" تعالوا أيها الشعوب الأرثوذكسيين لنسجد للرب يسوع المسيح.. فإن الأصوات الصادقة التي للأنبا باسيليوس العامود المعظم قد ملأت كل العالم.. فمن يقدر أن ينطق بالقوات العظيمة والعجائب الكثيرة التي للأنبا باسيليوس؟
 وأي لسان جسداني يستطيع أن يتلو كرامته ونسكياته؟ مرحبًا بقدومك إلينا في هذا اليوم يا معلم التوقى ومؤدب كل المسكونة.. الأنبا باسيليوس الأسقف." 
بهذه الكلمة تقدم كنيستنا مديحًا ـ في الدفنار ـ للقديس العظيم باسيليوس الكبير رئيس أساقفة كبادوكية في تذكار نياحته الموافق 6 طوبة من كل عام وهذه العبارات ناطقة ولا شك بمكانة هذا القديس في الكنيسة الجامعة. وكنيستنا على وجه الخصوص، لما أشتمل عليه من التقوى والفضيلة والعلم الديني الغزير. وجميع كتاباته معتمدة ومعتبرة، والكنيسة القبطية تذكره في قداسها الذي تصلي به على مدار السنة، بل إنها تصلي القداس الذي يحمل إسمه. 
أسرة القديس
في السنوات القليلة التي تلت إنعقاد المجمع المسكوني الأول، وُلِدَ أكبر عضو فعاّل في الكنيسة بعد القديس أثناسيوس الرسولي، استطاع أن يناضل ضد الآريوسية، ويقف أمام معتنقيها ومؤيديها من أساقفة وأباطرة. 
سيرة حياته [1]
فقد وُلِدَ باسيليوس ـ على أرجح الآراء ـ سنة 329م، وهو ينتسب إلى أسرة ضمت بعض الشهداء، كان جده لأمه من كبار ملاك الأراضي في بلاد بنطس وكانت جدته لأبيه القديس ـ ماكرينا ـ تلميذة وفيّة للقديس غريغوريوس العجائبي، وقد قاسى هذان الأهوال خلال الاضطهاد الذي أثاره مكسيمينوس الثاني، وظلا يهيمان على وجهيهما هربًا في الغابات والجبال لمدة سبع سنوات فقدا فيها معظم أملاكهما كما يخبرنا بذلك القديس غريغوريوس الثيئولوغوس في مقالته العشرين، وبقى من بنيهما إثنان هما غريغوريوس وباسيليوس، صار الأول أسقفًا على إحدى إيبارشيات كبادوكية. والثاني أبو القديس باسيليوس، ويدعي أيضًا باسيليوس.
حاز شهرة عالية في كل بلاد بنطس كمحام عن الفضيلة ومعلم حاذق للبلاغة (البيان)، كما كانت شخصيته معتبرة جدًا في الكنيسة نظرًا لاستقامته وتقواه. تزوج هذا بامرأة فاضلةيتيمة تدعى "إماليا" كان أبوها قد احتمل العذاب والموت لأجل المسيح، وكانت هي الأخرى مثلاً رائعًا للمرأة المسيحية الفاضلة. 
هذه التقوى الثابتة اتحدت في زواج باسيليوس الأب وإماليا. فأنتج هذا الزواج الموفق عشرة أطفال خمسة بنين وخمس بنات، ويبدو أن أحد هؤلاء الأبناء مات وهو بعد طفل.. وكان أكبر التسعة الأحياء ابنة تدعى ماكرينا على اسم جدتها، أما أكبر الذكور فكان باسيليوس صاحب السيرة والثاني نقراطيوس، والثالث غريغوريوس، أما الأصغر ويدعى بطرس فقد ولد قبيل وفاة والده بزمن قصير. ومن بين هذه المجموعة الممتازة تُذكر الكبرى وهي ماكرينا كقديسة في حياتها التي دوَّنها شقيقها غريغوريوس. مات نقراطيوس في شبابه المبكر حوالي التاريخ الذي رسم فيه باسيليوس أغنسطسًا (قارئًا) أما الثلاثة الباقون فقد رسموا أساقفة: باسيليوس على قيصرية، وغريغوريوس على نيصص، وبطرس على سبسطية. 
أما عن مكان مولد باسيليوس، فقد ذُكرت مدينتان: قيصرية كبادوكية، وقيصرية الجديدة في البنطس ولا نستطيع أن نجزم بأيهما أصح لعدم وجود الدليل الكافي، وذلك لأن الكلمة اليونانية "Πατρης " كانت تطلق على مكان المولد كما على مكان الإقامة والتملك، وكان والدا باسيليوس لهما ممتلكات ومصالح في البنطس وكبادوكية، ولكن لعدة اعتبارات يمكن اعتبار قيصرية كبادوكية هي مسقط رأسه. 
فيأتي مولد باسيليوس حوالي الوقت بعد النصر الذي حققته الكنيسة بستة عشر عامًا [2]. وُلِدَ بعد أن أنتهى المجمع المسكوني الأول (بنيقية) من وضع الصيغة الرسمية للمعتقدات الإيمانية الأساسية، تلك الفترة التي كانت فيها للشرق الأهمية الكنسية واللاهوتية أكثر من الغرب. وهكذا تحدّر باسيليوس في فترة هامة وخطيرة في تاريخ الكنيسة. تحدّر من أسرة إجتمع لها إصالة الإيمان والتقوى والجاه والشرف والثراء، تقدست بدم شهدائها وتدعمت بتقوى أفرادها من شهداء وأساقفة ورهبان وراهبات. 
ثقافته
ليس مبدأ تعليم باسيليوس هو الوقت الذي أُرسل فيه إلى مدرسة قيصرية كبادوكية أو مدرسة قيصرية الجديدة كما يزعم البعض. وليست هي الفترة التي تتلمذ فيها على يد والده العظيم. ليس هذان هما المكانان اللذان ارتبطا إرتباطًا وثيقًا بأيام باسيليوس المبكرة، لكنها قرية معروفة قرب قيصرية الجديدة حيث تربى على يد جدته ماكرينا. كانت للأسرة ممتلكات لا بأس بها في تلك المنطقة التي أقام فيها بعد ذلك... كانت ممتلكاتهم في أنيسي Annesi على نهر الايرس Ris "الآنRmak" ـ Jekil" والمناظر إلى جوارها ذات جمال خيالي، وكانت خلوة باسيليوس فيما بعد على الضفة المقابلة لذلك النهر، ذات المناظر الطبيعية الشاعرية. 
في أنيسي شيدت أمه أماليا هيكلاً على اسم الأربعين شهيدًا الذين استشهدوا في سبسطية، ونقلت إليه ذخائرهم المقدسة. ويحتمل أن يكون باسيليوس قد حضر صلوات التدشين التي كانت تستمر طوال اليوم. في ذلك المكان الهادئ تلقى باسيليوس مبادئ الدين من جدته ووالده. هنا تلقي الإيمان الأرثوذكسي. ويُروي أن الفضل الأول في توجيهه التوجيه الديني كان لجدته كما كان أيضًا لأخته الكبيرة ماكرينا. 
أُرسل في سن مبكرة إلى مدرسة في قيصرية كبادوكية. وتعرف هناك بأشخاص من بينهم غريغوريوس النزينزي. كما أعجب إعجاب الأطفال برئيس الأساقفة ديانيوس ويروي لنا غريغوريوس أنه حتى في تلك الفترة المبكرة حاز باسيليوس شهرة عظيمة لسموه العقلي فضلاً عن شخصيته التقية. ثم انتقل باسيليوس من قصرية إلى القسطنطينية، حيث درس البيان والفلسفة بنجاح، ثم بعد ذلك أرتحل باسيليوس إلى أثينا سنة 351م طبقًا لما كان متبعًا آنذاك بالنسبة إلى الذين يريدون أن يتموا دراساتهم العليا. كانت أثينا من أشهر المدن الجامعية في العالم لقد ركزت رومه والقسطنطينية لذاتيهما الثروة والسلطان الإمبراطوري، ولكن أيًا منهما لم تفلح في أن تزحزح أثينا عن مركزها في دنيا الآداب والمعارف، ذاك الذي حازته بواسطة التقليد الأدبي والتعليمي منذ ثمانية قرون خلت. 
أمضى باسيليوس قرابة خمسة أعوام في المدينة العتيقة أثينا، ولدينا محصول وفير من المعلومات عن حياته هناك ما كتبه صديقه غريغوريوس النزينزي الذي كان قد سبقه إليها، يقول غريغوريوس إن شهرة باسيليوس كانت قد سبقته إلى أثينا، فانتظره كثير من الشبان وتنافسوا على صداقته. 
أما من جهة الشابين الكبادوكيين، فقد عملت كل الظروف على توطيد أواصر الحب بينهما، ذاك الحب الذي ربطهما حتى الموت، فقد جمعتها أهداف روحية مسيحية مقدسة، حتى قيل عنهما إنهما كانا روحًا واحدة في جسدين، وغدت صداقتهما فصلاً رائعًا في تاريخ الآباء. وأمتنع الشابان كلية عن كل اللذات التي تتفشى عادة بين الشباب وفي ذلك يقول غريغوريوس: "عرفتا شارعين في المدينة: الأول وهو الأحسن كان يؤدي إلى الكنائس وخدام المذبح، والآخر ـ وكنا لا نعتبره كثيرًا ـ كان يؤدي إلى المدارس العامة ومعلمي العلوم.
 أما الشوارع التي تؤدي إلى المسارح والملاعب والأماكن غير المقدسة فقد تركناها لغيرنا.. كانت القداسة هي شغلنا الشاغل، وكان هدفنا أن ندعي وأن نكون بالحقيقة مسيحيين، وفي هذا وضعنا كل مجدنا. 
تلألأت عبقرية باسيليوس الدراسية في أثينا. ويخبرنا غريغوريوس بأن اجتهاد صديقه وتركيزه ومثابرته كانت عظيمة. وكان بارعًا في كل فروع من فروع العلم كما لو كان متخصصًا فيه وحده. كانت أحب المواد إليه الفصاحة والبيان والفلسفة والفلك والهندسة والطب. لكن كل سموه العقلي يتضاءل إذا قورن بنقاوة حياته وطهارة سيرته. أما أشهر أساتذته الذين تتلمذ لهم في أثينا فكانا بروهارسيوس المسيحي الأرمني، وهيميريوس الوثني البيثيني. 
العودة إلى الوطن
وأخيرًا حان الوقت لتنفيذ ما عقد عليه الصديقان العزم من ممارسة الحياة النسكية بعد عودتهما إلى وطنهما بأكثر قوة. وحلَّ يوم الرحيل وحاول أصدقاؤه أن يحجزوه بالعناق والعبرات، لكن باسيليوس تعلق بغرضه وتغلب على جهود رفاقه لتعويقه في أثينا، وقد تأثر غريغوريوس كثيرًا في نفسه من معاملة زملائه وأساتذته الذين ازدحموا حوله. أما باسيليوس فشرح لأصدقائه أسباب رحيله، وتركهم حزانى، ومضى. ولكن غريغوريوس أذعن لهذه المحبة الفياضة غير أنه لم يبق طويلاً. 
وهكذا عاد باسيليوس بمفرده إلى وطنه سنة356. عاد ليجد أن والده وجدته ماكرينا قد توفيا أثناء غيابه، وأن أمه أماليا قد استقرت في أنيسي، المكان الذي تدرب فيه وهو بعد صغير. رحبت قيصرية كبادوكية بباسيليوس كأحد أبنائها الممتازين. وعرضت عليه وظيفة مدرس للبيان بقيصرية، فقبل واشتغل بالتدريس لمدة عامين تقريبًا بنجاح عظيم. ويبدو أن باسيليوس، في تلك الفترة قد داخله نوع من العجب والكبرياء الأدبي، وتطلع إلى المراكز العالمية العالية التي يشغلها أمثاله. كما يخبرنا بذلك أخوة القديس غريغوريوس أسقف نيصص، بل عرضت عليه وظيفة علمانية ذات مركز عظيم. 
تكريس حياته
هنا ـ في تلك الفترة العصيبة من حياة باسيليوس ـ تدخلت أخته التقية ماكرينا، التي أزعجها أن ترى أخاها باسيليوس غائصًا في درس العلوم الطبيعية والبشرية. يكاد تيار العالم أن يطويه في لججه. فحثته على طلب العلوم التقوية التي تغرس البر في القلوب، وشرعت تذكر له بطلان أمجاد العالم. وبواسطة نفوذها تيقظت فيه ثانية مثاليته، ونجحت أخيرًا في إقناعه كموسى جديد يفضل العبرانيين على خزائن مصر، كما يخبرنا بذلك أيضًا القديس غريغوريوس أسقف نيصص. 
في هذه الفترة تعمد باسيليوس. وبعدها بقليل رُسم أغنسطس (قارئًا) بيد الأنبا ديانيوس أسقف قيصرية. وقد إتخذ القديس غريغوريوس النزينزي من سيامة باسيليوس أغنسطس سببًا في إظهار الأسى على السيامات التي كانت تتم بسرعة في زمانه، والتي عن طريقها نال كثيرون الكهنوت بدوت التدرب اللازم حتى خشى أن تصبح أكثر الرتب قدسية هي أكثرها هزءًا. فقال: لا يُدعى أحد طبيبًا أو رسامًا إلا بعد أن يكون قد درس طبيعة الأمراض أو خلط الألوان ورسم الأشكال. لكن الكهنة يقامون أرتجالاً. يُحمل به ويُولد في آن واحد، كالمارد في القصة الخرافية! إننا نصير قديسين في يوم واحد.
 فالذين ليس لديهم أي استعداد روحي ولا يعرفون شيئًا عن الكهنوت سوى الرغبة في الحصول عليه، هؤلاء يطالبون الناس أن يكونوا قديسين ومتعلمين! ولكن باسيليوس لم يكن هكذا، فهو الذي كان يمارس أدنى وظيفة في الكنيسة وهي قراءة الأسفار المقدسة للشعب لمدة طويلة، قبل أن يتقدم للقسسية والأسقفية...". 
وهكذا استيقظ باسيليوس كما في حلم، وتطلع إلى نور الإنجيل المجيد فرأى تفاهة حكمة العالم التي توصل إلى لا شيء. وبعد أن ناح على حياته الشقية، بحث عن شيء يرشده ويقوده إلى طريق البر.
 كان تواقًا إلى إحداث تغيير في حياته العملية بعد أن طال إنزعاجه نتيجة لإتصاله بأهل ويقول في بساطة ظاهرة "لذلك لما قرأت كتابي المقدس، ووجدت فيه أنه عون عظيم على الكمال أن نبيع كل ما لنا ونوزعه على الأخوة الفقراء، حتى نكون بلا همّ في أمور هذه الحياة، ونقمع شهواتنا حتى لا نشتغل بحب أي شيء هنا، حينئذ وددت لو أجد أخًا اختار هذا الطريق في الحياة حتى بالتعاون معه يمكنني أن أقضي غربة هذا العالم القصيرة..". 
حياته النسكية
هكذا أفاق باسيليوس على صوت أخته ماكرينا، وكرَّس حياته لمن أحبه. بل أكثر من هذا أنه اختار لذاته طريق الوحدة، طريق الكمال المسيحي، الأمر الذي كان قد توافق عليه مع صديقه غريغوريوس. ويبدو أنه من الأمور التي حركت فيه كوامن نفسه ودفعته دفعًا لتنفيذها، مسلك أمه وأخته ماكرينا. فبعد أن استراحتا من أعبائهما العائلية بعد أن كبر أصغر الأولاد، حوّلنا منزل الأسرة في أنيسي على نهر الإيرس ليكون منسكًا في وسط تلك الربوع الهادئة، وأقامتا هناك في حياة نسكية. وسرعان ما جذب هذا المنسك إليه ـ على الرغم من خشونة الحياة فيه ـ عذارى من كبرى العائلات في كبادوكية. 
ونحو سنة 358م، حيثما كان باسيليوس دون الثلاثين من عمره، ترك قيصرية ليبحث عن النساك المشهورين ليحتذى بهم.
 فزار منطقة الأسكندرية وصعيد مصر وفلسطين وسوريا وما بين النهرين. وقد أثار إعجابه شدة زهد وتقشف هؤلاء النساك الذين قابلهم، خاصة في مصر وفلسطين. أثار دهشته فيهم ضبط النفس واحتمال النسك ومقدرتهم على الصوم والسهر واحتمال العري والبرد. وهكذا ظل يدرس لمدة سنتين تقريبًا التقاليد الرهبانية المثالية التي ترجع إلى القديس أنطونيوس الكبير أب الرهبان. وكان ما رآه في حياة الرهبان والمتوحدين خلال رحلاته حاثًا له على الإسراع في الحياة النسكية.
 فباع ما يخصه من أملاك ومقتنيات ووزعها على الفقراء والمحتاجين، وبدأ يفكر في أنسب الأمكنة لتوحده. فكّر أولاً في تأسيس دير في أقليم تبرينا بجوار إرينانزوس موطن صديقه غريغوريوس ثم عاد فاختار بقعة في البنطس تسمى إيبورا على نهر الإيرس، لما تمتاز به من جمال طبيعي خلاب وهدوء شاعري. وربما فعل هذا حتى يستميل صديقه غريغوريوس إلى التوحد معه في البنطس. كان هذا المكان على مقربة من المنسك الذي تعيش فيه أمه أماليا وأخته ماكرينا مع بعض العذارى التقيات المثقفات. 
وكتب إلى صديقه غريغوريوس يقول؛ "لقد أرشدني الله إلى منطقة تتفق تمامًا وطريقتي في الحياة. إنها حقًا ما كنا نتوق إليه في أحلام يقظتنا. إن ما كان الخيال يظهره لي بعيدًا أصبحت أراه الآن أمامي. جبل عال تكسوه غابة كثيفة، ترويها في الشمال جداول دائمة الجريان، وعند سفح الجبل يمتد سهل فسيح كثير الفاكهة نتيجة للأبخرة التي ترطبه. أما الغابة المحيطة حيث تتنوع الأشجار وتزدحم، فهي تعزلني عن العالم كما في قلعة حصينة. والبرية محاطة بوادين ضيقين عميقين. على أحد جانبيها ينحدر مجرى الماء بقوة من الجبل مكونًا حاجزًا من الصعب عبوره.
وعلى الجانب الآخر حافة فسيحة تجعل الاقتراب منه أمرًا صعبًا. ويقع كوخي على القمة وبذا أشرف على السهل الفسيح كما على الطريق الأيرس... هل أحدثك عن الطيور المغردة الجميلة والنباتات الغنية بأزهارها؟ لكن ما يبهجني أكثر من كل ذلك هو السكون الذي يختم على المكان، لا يقطعه إلا بعض الصيادين الذين يأتون من وقت لآخر لصيد الماعز البري والأيائل التي تكثر في البرية. كيف استبدل هذا المكان بآخر؟!. 
والحق أن القديس باسيليوس كان يعشق الطبيعة، وله تأملات كثيرة في السماء، والنجوم، والطيور وأجناسها، والأسماك، والحيوان، والنبات وغيرها. كان يصفها وصف عالم عاكف على دراستها. وكان يرى حكمة الله وراء جميعها، يقول "إذا كنت في حدود الليل تتأمل الجمال الأخاذ الذي للنجوم. فإنك ترى الفنان الذي صممها وزين السماء بهذه الورود. وإذا كنت في الصباح المبكر، تتعلم عن عجائب النهار، وخلال الأشياء المنظورة ـ تصل إلى غير المنظور". 
في تلك البقعة الهادئة، اعتقد القديس ـ وقد تحرر من كل اهتمامات الحياة العالمية ومعطلاتها وتشتت الفكر فيها ـ أنه يستطيع أن يخدم الله حسنًا. يقول " ما هو أكثر غبطة من مشابهة الملائكة على الأرض؟! في بدء النهار ينهض الإنسان للصلاة وتسبيح الخالق بالترتيل والأغاني الروحية. ومع شروق الشمس يبدأ العمل مصحوبًا بالصلاة أينما ذهب مملِّحًا كل عمل التسبيح. إن سكون الوحدة هو بدء تنقية النفس، والعقل إن لم يضطرب لأي شيء، ولم يتشتت عن طريق الحواس في أمور العالم، يرتد إلى ذاته، ويرتفع إلى التفكير في الله..." هناك في الوحدة وجد في الأسفار المقدسة ـ كما في مخزن الأدوية ـ العلاج الحقيقي لعلته. 
بدأ في خلوته في البنطس نظامًا نسكيًا شديدًا، يبدو أنه تسبب في ضعف صحته ضعفًا شديدًا، الأمر الذي شكا منه مرارًا كثيرًا في رسائله ولكن من الإنصاف أيضًا للحقيقة أن نقول إنه ذُكر عن ملازمة المرض له منذ طفولته. 
أما عن طعامه، فلم يكن يتناول أكثر مما كان ضروريًا فعلاً ليسد رمقه من أفقر الأطعمة، وفي بعض الأحيان لم يكن ذلك الطعام شيئًا سوى الخبز والماء. وحتى بعدما أصبح رئيس أساقفة، ما كان يطهي لحمًا في مطبخه. كان يملك ثوبًا خارجيًا وآخر داخليًا فقط، وكان يرتدي في الليل مسحًا من الشعر ينام به، ولم يكن يرتديه بالنهار لئلا يبدو متظاهرًا بالنسك. وكان ينام قليلاً. وكانت الشمس مدفأته في تلك المناطق التي يشتد بردها بعنف. 
وسرعان ما عُرف باسيليوس في حياته الجديدة وذاعت قداسته. فأصبح نواة تجمع حوله نساك البنطس وكبادوكيا. ولم يكن هو أول من أدخل الحياة الرهبانية إلى البنطس فقد سبقه إلى ذلك يوستانيوس الذي من سبسطية، الذي سجل باسيليوس إعجابه بشخصيته النسكية، لكن نظام الجماعات الرهبانية أو نظام الشركة في تلك الأصقاع، يعزي إلى القديس باسيليوس فضل إظهاره، ويُعتبر هو المؤسس له هناك دون شك، وما لبث أن انتشر مثاله، فتأسست جماعات من النساك العمالين من الجنسين من جميع أنحاء البنطس، وكان كل منهما مركزًا فعالاً في التبشير بمعتقد مجمع نيقية المقدس والدفاع ضد الآريوسية. 
وقد نجح القديس باسيليوس في جذب صديقه غريغوريوس إليه، وواظبا معًا على الصلاة والدراسة والعمل اليدوي، وجمعا مختارات من كتابات أوريجانوس عرفت فيما بعد باسم الفيلوكاليا Philocalia. وأخذا من كتاباته مادة لتدعيم الإيمان الأرثوذكسي ضد الآريوسية. 
في ميدان الخدمة العامة
وحتى ذلك الوقت لم يُلاحظ أن القديس باسيليوس اشترك في نشاط عام، بل كان قابعًا في خلوته في البنطس بالصورة التي ذكرناها ثم ترامي إلى سمعه أن دينانيوس رئيس أساقفة قيصرية قد قبل قانون إيمان آريوسي يُدعى أريميني Ariminum فترك القديس خلوته ومضى إلى ذلك الأسقف ونبهه إلى زلته، فرجع وقبل إيمان النيقاوي وهو على فراش الموت. وتنيح ديانيوس وخلفه أوسابيوس. 
أقنع غريغوريوس النزينزي صديقه باسيليوس بالذهاب إلى قيصرية لمعاونة أوسابيوس، فذهب إلى هناك ورسم قسًا بيد أوسابيوس سنة 364م بعد تمنع شديد نتيجة لشعوره بعدم الأهلية لتلك الرتبة السامية. وحوالي ذلك التاريخ كتب كتبه ضد إفنوميوس، وربما كان عمله هذا هو الذي زكاه لدى أوسابيوس. وصار باسيليوس الشخصية ذات الأثر الأكبر في كل الأيبارشية، وكان هذا عاملاً على إظهار ضعف شخصية أوسابيوس، الأمر الذي أدى إلى فتور العلاقات بينه وبين أسقفه.
وسرعان ما زاد هذا الفتور حتى انتهى إلى القطيعة، فعاد باسيليوس إلى منسكه يصحبه صديقه غريغوريوس وهناك أمضى الصديقان ثلاث سنوات في الوحدة، عكفا خلالها على الكتابة ضد الإمبراطور يوليانوس الذي أرتد عن المسيحية. 
ولما ارتقى العرش الأمبراطور فالنس الآريوسي، حاول بكل سلطته أن ينشر هذا المعتقد الفاسد. وفي هذه الأزمة طالب الشعب بعودة باسيليوس، فحاول أوسابيوس أن يستميل غريغوريوس ليكون بجانبه، ولكن هذا الأخير رفض العودة بدون باسيليوس، وكان مما كتبه إلى أوسابيوس قوله "أتكرمني بينما تهينه؟ إن هذا يعني أنك تربت علىّ بيد وتلطمني بالأخرى. صدقني، إن عاملته كما يستحق فسيكون لك فخر. وأنا سأتبعه كما يتبع الظل الجسم". وأخيرًا ـ بفضل مجهودات غريغوريوس أيضًا ـ تم التوفيق بينهما. وعاد باسيليوس إلى قيصرية على أهبة الاستعداد للتعاون بكل إخلاص مع أوسابيوس مستخدمًا كل فصاحته وعمله لإحباط هجمات الآريوسيين.
وقد نظم المقاومة الأرثوذكسية ضد الإفنوميين الذين كانوا جادين في نشر معتقدهم في كل آسيا الصغرى، وكرَّس جهوده في إزادة قوة الإيبارشية مؤيدًا سلطة أوسابيوس رئيس الأساقفة معاملاً إياه بما يليق بمركزه وسنة من إكرام. وأثبت باسيليوس بذلك أنه ـ على حد تعبير غريغوريوس ـ غدًا عكاز شيخوخة، ودعامة الإيمان الأرثوذكسي، وأكثر أصدقائه وفاء، وأكثر الخدام كفاءة. ولم تكن الاحتياجات اللاهوتية وخدمة الكنيسة في زمن باسيليوس لتمنعه من تكريس جزء كبير من طاقته لأعمال الرحمة. 
ومن أبرز الحوادث في تلك الفترة، المجاعة التي أجتاحت كل الأقاليم سنة368م. وفي خلالها كان باسيليوس مثال الخادم الذي يضع نفسه من أجل مخدوميه فلم يكتب بحّث الأغنياء والتجار الجشعين على الرحمة، وأنما باع ممتلكاته التي كانت قد آلت إليه مؤخرًا بعد انتقال أمه ووزعها على المحتاجين، وخدم بشخصه احتياجات المتألمين. وكان الخدم يحضرون إليه إكرامًا من الأطعمة وهو يوزعها بيديه بينما يعزي بكلماته المتضايقين ويشجع المتألمين. 
القديس باسيليوس رئيس الأساقفة
نحو منتصف سنة 370م توفي أوسابيوس رئيس أساقفة قيصرية، وبانتقاله أصبح الكرسي خاليًا اصطلاحًا، لأن الشخصية التي شغلته من الناحية الرعوية كانت ما زالت على قيد الحياة. وكان واضحًا أن نصرة الأرثوذكسية في كل آسيا الصغرى هي في أن يشغل باسيليوس هذا المنصب.
 ولكن أي طريق كان على باسيليوس أن يسلكه؟ هل ينسحب في هدوء، أو يرشح آخر دونه، وفي ذلك ما فيه من إضرار بقضيه الإيمان؟ وإذ أراد أن يتخلص من هذا المأزق، أرسل إلى صديقه غريغوريوس يلح عليه في الحضور بحجة أعتلال صحته، وإن كان قصده في الحقيقة ترشيحه لذلك المنصب وأسرع صديقه قاصدًا قيصرية ليكون إلى جواره، ولكنه شعر أن هناك شيئًا غامضًا في الموضوع، وأن المسألة ليست مسألة مرض باسيليوس، فقطع رحلته وعاد ثانية إلى نيزينز. 
وقد قام غريغوريوس الأسقف (والد غريغوريوس النزينزي) ـ وكان شيخًا وقورًا. بدور هام في هذا الموضوع. فقد أملى على أبنه غريغوريوس خطابًا إلى الكهنة والرهبان والحكام والشعب في قيصرية يدعوهم إلى اختيار باسيليوس. كما أرسل خطابًا آخر إلى الأساقفة الذين لهم حق الإنتخاب يحضهم فيه ألا يجعلوا ضعف باسيليوس الصحي حائلاً دون إنتفاع الكنيسة بمواهبه وتفوقه الملحوظ في الروحيات والعلوم الكنسية.
وكان أكثر الأساقفة نفوذًا هو أوسابيوس أسقف ساموساط، فكتب إليه غريغوريوس العجوز مقنعًا إياه بضرورة زيارة قيصرية وأن يأخذ على عاتقه توجيه الرأي العام لهذه المهمة. 
وكانت قيصرية منقسمة إلى معسكرين: كان جميع الناس الأخيار مع الكهنة والرهبان يؤيدون انتخاب باسيليوس بحماس كبير، أما معارضوه فكانوا يتألفون من الأساقفة الآريوسيين، وبعض ذوي الغنى والمراكز ممن كانوا يعيبون عليه إنكاره لذاته وزهده، وبعض الأشرار والفجار لمقاومته لهم وتوبيخه إياهم. أما بالنسبة إلى شعب قيصرية فقد كان باسيليوس الرجل الروحاني ذا المقدرة العظيمة الذي يستطيع صّد تيار الهرطقات. وقد استطاع اوسابيوس بنفوذه أن يتغلب على كل الصعاب. وأنتهى الموضوع بوصول الشيخ الوقور غريغوريوس، الذي حالما علم باحتياج باسيليوس إلى صوت واحد ليحصل على النصاب القانوني لأنتخابه، غادر فراش مرضه محمولاً على نقالة إلى قيصرية مخاطرًا بنفسه، واشترك في رسامة باسيليوس وإجلاسه على كرسيه، وكان ذلك سنة 370م. 
الصعاب التي واجهت في أسقفيته
أولاً: الأساقفة
كان هناك فريق من الأساقفة قد رفضوا الاشتراك في رسامته، وهؤلاء تحولوا من العداء المكشوف إلى المقاومة السرية، وكانوا يعاملونه باستخفاف، مظهرين رغبتهم التامة في مشاركته في كل خططه، وقد شكا هذه الحالة إلى أوسابيوس الساموساطي وكان هذا الملك غير المخلص من جانبهم سببًا في ازدياد مرضه. لكنه تمكن على أي حال من التغلب على معارضيه في سنوات قليلة بالحزم الممتزج بالعطف. 
ثانيًا: تقسيم كبادوكية
صممت حكومة الامبراطور على تقسيم كبادوكية إلى إقليمين، وكان المقصود من ذلك إضعاف مدينة قيصرية، أو بالأحرى إضعاف باسيليوس وقد اختيرت مدينة تيانا لتكون العاصمة الجديدة للأقليم الثاني. فطالب أنتيموس أسقف تيانا بتقسيم كنسي يتبع التقسيم الإداري، وبأن تتمتع تيانا بامتيازات المدينة العاصمة كما تتمتع قيصرية. أما القديس باسيليوس فعوّل على مقاومة ذلك المطلب إلى النهاية، وحدث نزاع بينه وبين أنتيموس ولكي يقوي موقفه سام صديقه غريغوريوس على سازيما وهي قرية مغمورة تقع عند مفترق الطرق الذي يؤدي شمالاً من تيانا إلى دورا ثم ينحني غربًا إلى نيزينز. كما سام أسقفًا على دورا. وسام أخاه غريغوريوس على نيصص.
 ولم يثبت في أسقفيته من هذه السيامات الثلاثة غير أسقف نيصص الذي بعد أن طرده منها الآريوسيون، تمكن بشهرته وقوته من العودة إليها. أما سازيما فأعيدت إلى أسقفية تيانا، وأعتزل غريغوريوس أسقفيتها بمرارة وسبب له ذلك الحادث جرحًا لازمه حتى نهاية حياته. أما في دورا فقد طُرد أيضًا الأسقف الذي سامه باسيليوس. 
ثالثًا: الإمبراطور فالنز
لم يمض على القديس باسيليوس أكثر من إثنى عشر شهرًا في أسقفيته، حتى جاء إلى صدام علني مع الأمبراطور فالنز الذي كان يعبر آسيا الصغرى مصممًا على ملاشاة الإيمان الأرثوذكسي وإحلال الآريوسية محله. وهو الآن يقترب من قيصرية مصممًا على إخضاع بطل الأرثوذكسية في تلك الجهات. وكان تقدمه مظهرًا من مظاهر انتصاره: فقد ضَعُفَ أمامه كثيرون. وقاومت بثينية فصارت مسرحًا لمآس مرعبة. أما غلاطية المترددة فقد استسلمت دون مقاومة.
 وكان مصير كبادوكية يتوقف على باسيليوس. نصحه البعض أن ينحني أمام العاصفة، ويهدئ من روع الامبراطور بخضوع وقتي. ولكنه رفض مشورتهم بإباء تشوبه الغيرة المقدسة. 
دخلت حاشية الأمبراطور على القديس باسيليوس بتهديدات شديدة وكان أشدهم وقاحة ديموستينين رئيس المطبخ الذي هدده بالسكين. فقابل القديس تهديداته بصرامة هادئة. 
ثم تلاه مودستس حاكم براتيوريوم.
وقد أرسله فالنز إلى القديس باسيليوس يخيره بين أمرين: إما العزل وإما الاشتراك مع الآريوسيين. فاستدعاه مودستس وباسم الأمبراطور طالبه بالخضوع، وباسم الله رفض القديس الأمر فهدده مودستس بمصادرة أملاكه وبالتجويع والنفي والتعذيب والموت. فكان رد القديس على هذه الإهانة أن لا شيء من هذه التهديدات يرهبه، فليس له شيء يُصادر سوى قليل من الخرق وبعض الكتب. أما النفي فلا يمكن أن يبعث به إلى ما وراء أراضي الله، إذ الأرض كلها دار غربة بالنسبة إليه. أما التعذيب فلا يخيف جسمًا مات بالفعل. أما الموت فإنه يكون كصديق يأتي ليصحبه في آخر رحلة إلى الوطن الحقيقي وينقله للحال إلى الله الذي يحيا له.
 وما أن سمع مودستس هذه الإجابة حتى صاح في دهشة ممزوجة بكبرياء معلنًا أن أسقفًا لم يكلمه قط بمثل هذا الكلام. فأجابه القديس في هدوء "ذلك لأنك لم تقابل أسقفًا حقيقيًا". ولما لم يفلح مودستس في تهديده، أخذ يعده بكرامات وبصداقة الأمبراطور وبتحقيق كل مطالبه. لكن شيئًا من كل ذلك لم يُلن عزيمة باسيليوس الحديدية. 
فأسرع مودستس إلى سيده ورفع تقريره الذي قرر فيه "أن الوسائل المتبعة في الإرهاب بدت غير قادرة على تحريك هذا المطران الباسل. والشدة هي السبيل الوحيد الذي يتبع مع ذاك الذي لم يجد معه التهديد والملاطفة على السواء". لكن فالنز ـ ككل المخلوقات الضعيفة ـ تذبذب بين الأرغام والأذعان، ورفض استخدام العنف ضد باسيليوس وجعل طلبه منه متوسطًا، أن يسمح للآريوسيين بالإشتراك معه. وهنا أيضًا لم يلن باسيليوس ولم يتراجع عن موقفه ولكي ينفذ الامبراطور ما أراد، قصد إلى الكنيسة الرئيسية في قيصرية يوم عيد الظهور الإلهي سنة 372م بعد بدء الخدمة. فوجد الكنيسة زاخرة بالمصلين، تتجاوب أصداء تسابيحهم كالرعد، لم يقطعها دخول الإمبراطور وحاشيته، وكان القديس باسيليوس واقفًا في الهيكل ووجهه نحو الشعب، يحيط به الكهنة وخدام المذبح في شكل شبه دائري. وكان جو الكنيسة سماويًا أكثر منه أرضيًا. وكان حماس العبادة المنظمة أليق بالملائكة من البشر. كان الموقف رهيبًا حتى أن الإمبراطور أضطرب. وحين حان الوقت ليقدم تقدمته، تردد الخدام في قبولها لأنه هرطوقي، فلم يتقدم أحدهم لأخذها. اهتز الإمبراطور وكاد يسقط لولا معاونة أحد الكهنة. ويبدو أن باسيليوس تراءف على ضعف خصمه، فقبل التقدمة من يده المرتعشة. 
وفي اليوم التالي زار فالنز الكنيسة أيضًا، وأصغى باحترام إلى عظة القديس باسيليوس. وبعد نهاية الاحتفال ناقشه القديس في الإيمان الأرثوذكسي. وبدا أنه مال أن يكون صديقًا لباسيليوس، ومنحه أراضي توقف لنشاطه الخيري. 
محاولة نفي القديس باسيليوس
كان الوفاق ظاهرًا بين فالنز وباسيليوس، فالقديس لن يسمح للآريوسيين بالإشتراك معه، والإمبراطور لن يطيق الرفض، وحينما ظل القديس مصممًا على رفض قبول الآريوسيين في شركة الكنيسة، لم يجد هؤلاء كبير عناء في إقناع فالنز أن نفي باسيليوس ضروري لسلام الشرق. 
استسلم الإمبراطور للمشورة وأمر بنفي باسيليوس. وأعد القديس عدته للرحيل، ورتب أن يكون ذلك ليلاً تجنبًا لأخطار الاضطرابات الشعبية. كانت المركبة في انتظاره على الباب، وإذا بأمر النفي يوقف! لقد مرض غلاطس ابن فالنز الوحيد مرضًا مفاجئًا وخطيرًا، وعزت أمه دوميليكا مرضه إلى الأمر بنفي القديس فأرسل الإمبراطور اثنين يتوسلان إلى القديس أن يصلي الطفل المريض الذي لم يكن قد تعمد بعد. فاشترط القديس قبل ذهابه أن يعمد الطفل ـ بعد شفائه ـ على يد كاهن إرثوذكسي وأن يُلقن الإيمان القويم. وشفى الطفل بصلاة القديس، ولكن الإمبراطور حنث بوعده وعمِّد الطفل على يد أسقف آريوسي، فساءت حالة الطفل ومات في تلك الليلة. 
ومرة أخرى أستسلم فالنز لضغط أعداء باسيليوس، وفي تلك المرة رفض القلم أن يطاوع الإمبراطور،وقُصف أكثر من مرة في يده المرتعشة، مما جعله يمتلئ خوفًا ورعبًا فعدل عن عزمه، وبقى القديس سيد الموقف. 
وبالإضافة إلى محاولات النفي، تعرض القديس لإهانات كثيرة من الحكام الإقليميين. أما مودستس عدوه القديم، فقد أصيب بمرض خطير، قصد القديس باسيليوس ليصلي عليه، وفعلاً نال الشفاء وصار صديقًا. وإزداد نفوذ القديس جدًا بسبب ذلك حتى أن الناس كانوا يأتون من مسافات بعيدة طالبين وساطته لديه.
الإضطرابات في السنوات الختامية
كانت سنو حياة القديس الأخيرة مظلمة ـ ليس فقط بالمرض ـ ولكن أيضًا بوفاة بعض أصدقائه وحلفائه الأساسيين. ففي سنة 373 انتقل القديس أثناسيوس الرسولي. وفي سنة 374 انتقل الشيخ الوقور غريغوريوس أسقف نيزينز، ونُفي أوسابيوس الساموساطي. ورفع الآريوسيين رؤسهم ثانية. عقدوا مجمعًا في أنقرة أدانوا فيه أصحاب عقيدة المساواة في الجوهر! واتخذوا إجراءات كيدية ضد القديس غريغوريوس أسقف نيصص، كان الغرض منها جرح باسيليوس في شخص أخيه، وانتهوا إلى عقد المجمع في نيصص ذاتها حَكم بإدانة غريغوريوس وعزله، ونُفي بعد ذلك بوقت ليس بطويل. 
نياحة القديس
لم يعد جسمه قادرًا على تحمل الأعباء، فقد مزقه العمل المتواصل والمرض وكانت توجد في كبده حالة مزمنة كانت مثار ألمه وشكواه دائمًا كما كانت قسوة الشتاء تحجزه أحيانًا كثيرة كسجين في منزله. بل وفي حجرته. وفي سن الخامسة والأربعين دعا نفسه عجوزًا. وفي السنة التي تلتها خلع كل أسنانه.
وفي شتاء 378 أقترب إلى الموت. وانتشر النبأ، ووصل الأساقفة إلى قيصرية. كان يُعالج بحمامات ماء ساخن، ولكن فادئتها كانت ضئيلة. وأخيرًا لم يعد العقل الجبار، ولا الحماس الملتهب نحو الواجب قادرًا على تحريك طاقات ذلك الهيكل الضعيف. وأحاطت الجموع بالمكان الذي كان يرقد فيه، لتصلي بحماسة لكي يبقى معهم. وكانوا مستعدين أن يعطوا حياتهم لأجله. 
وفي يوم أول يناير سنة 379 سُمِعَ يخاطب الله قائلاً "بين يديك أستودع روحي". وللحال أنطلق الروح العظيم...وكانت جنازته مشهدًا لمشاعر القلوب الجياشة والوقار الذي يذهل العقل. شغلت الجموع كل فسحة، وكل دهليز، وكل نافذة، واشترك الوثنيون واليهود مع المسيحيين في تشييعه وغطت أصوات البكاء والعويل موسيقى التراتيل الدينية. ودُفن القديس في قيصرية، وأنضم إلى آبائه. 
ثلاثة عوامل أثرت على تشكيل فكر القديس باسيليوس
1ـ البيئة الأُسرية
البيئة الأُسرية حيث عاش وعرفتَّه هذه البيئة إختباريًا تقليد الكنيسة. التقليد صار بالنسبة له حياة مُعاشة ومبدأ وقانون لا يُخترق. في تقليد جدته ماكرينا يجب أن نفتش على محبة وتقدير باسيليوس لأوريجينوس. والسبب هو بسيط: لقد تتلمذت ماكرينا على غريغوريوس العجائبي، الذي درسَّ سنين عديدة في مدرسة أوريجينوس في قيصرية فلسطين. 
2ـ التربية
التربية، التي إكتسبها باسيليوس في قيصرية والقسطنطينية وأثينا، أفادته كثيرًا فأخذ منها أفضل ما يأخذه الفكر البشري آنذاك. التربية اليونانية أحبَّها بشغفٍ وأعطاها الكثير من الاهتمام حتى أنه تعلمها بإتساع ودرسها بعمق. وإنجذب إلى الشعراء الإغريق والروائيين والفلاسفة. هكذا كانت التربية بالنسبة له كمثل نهر إرتوى منه حتى آخر قطرة. ودرسَّ أيضًا علم الفلك والرياضة والطب، لكن لم يدرس الموسيقى. 
3ـ الرهبنة والنُسك المسيحي
لقد أصبحت الرهبنة والنُسك المسيحي بالنسبة له المدرسة الأكثر تأثرنا وإنجذابًا، خصوصًا في مصر عرّف وأُعجِب وبدأ يقلدَّ طريق حياة المتوحدين وأصحاب الرؤى الموجودين في الصحراء. كل ما أحبه باسيليوس جعَّله دائمًا حياته، أي كل ما يحبه يختبره ويجعله جزء من حياته. فالنُسك المسيحي صار مقياسًا ومعيارًا له في حياته. لذلك بالرغم من أن خِطط كثيرة له قد تغيرت من ظروف ومتطلبات عبر الأزمنة، إلا أن النسك والتعاليم اللاهوتية كانت دائمًا بمثابة عنصر وجوده، عكاز حياته الروحية. 
مساهمته التعليمية
ظهر نشاط باسيليوس الأول حوالي سنة 359م حيث توَّحد في أنيسا ثم في مكان على نهر إيريس. هناك حتى سنة 364م كتب أعماله الأولى والتي كانت أعمال بنائية خاصة بالتصرفات والسلوك الأخلاقي وإرشادات للشباب، وكذلك أعمال إرشادية وقانونية للرهبان. الحياة النسكية والإنفصال عن العالم لا يعني بالنسبة لباسيليوس تجاهل المشاكل التي تنشأ في حياة المؤمن الذي يعيش في العالم. على النقيض، رسائله تُمثل برهان على مشاركته الشخصية في حلَّ هذه المشاكل. والأكثر من ذلك فقد قَبِل في مكانه النُسكي أولاد أصدقائه وأستضافهم بعض الأيام ونصحهم وعلَّمهم. 
هذا الواقع بالضبط صار الدافع الأول لأن يرى في كل إتساعه مشكلة عظيمة إنشغلت بها الكنيسة بدون أن يُعطي لها حل جذري. نفس المشكلة واجهها باسيليوس عندما كان في قيصرية بعد سنة 365م بقليل عندما فكرَّ في شرح "ستة أيام الخليقة" للمؤمنين. 
ما هي هذه المشكلة؟ المشكلة هي كيف تُعطي الحقيقة؟ وكيف يُعبر عنها؟ وما هي الوسائل التي نعبر بها عن الحقيقة. الشعوب والأزمنة لها لغتها، لهم إطارهم الفكري الذي يعبرون عنه بتعبيرات وجُمل بنائية معينة. الشباب المثقف، والسامع المثقف في قيصرية عاش هذه الحيرة، ومن القرن الرابع تشكّل تيارين داخل الكنيسة: 
الأول: إحتقار ورفض العلوم والتربية الكلاسيكية وتقريبًا الإبتعاد عنها. 
الثاني: التقدير الفائق لها. 
وعندما جاء يوليانوس (361ـ363م) وحرَّم على المعلمين المسيحيين أن يعلموا في المدارس الأممية وللأولاد المسيحيين أن يدرسوا فيها، توسَّعت الحيرة، واللخبطة بطريقةٍ لا تُطاق. 
النصوص الأولى لباسيليوس: عظة "إلى الشباب" وتفسيره "لستة أيام الخليقة"، وعظته : "لاحظ نفسك" و "ضد إفنوميوس"، عندما يقرأها المرء يقتنع بأن باسيليوس حاول بطريق غير مباشر أن يجيب على هذه المسألة: كيف نُعبر عن الحق ونصيغه لإنسان اليوم؟ في الأعمال الثلاثة الأولى جاهد باسيليوس بكافة الطرق لكي يميز الحق عن الحكمة البشرية ويُدين مباشرة أو بطريقة غير مباشرة الذين يشوهون الثانية، والتي يعتبرها أنها مفيدة. 
لم يُعادي أي نص فلسفي، قرأ أعمال الشعراء والروائيين اليونانيين. كل ما هو بين يديه كان بمثابة أشكال وصوَّر وقوالب جميلة جدًا. ليس لديه تفضيلات على الإطلاق. بكل بساطة إستخدم لغة عصره وطريقة تعبيره، لدرجة أن المرء يقتنع بأن باسيليوس لا يستطيع لحظة واحدة أن يعبر تعبيرًا خارج الإطار الفكري لعصره. هذه الحقيقة تمثل إنجاز له، وليست من النواقص كما يظن أحد. 
بالنسبة لباسيليوس، الحق الإلهي ليس لديه لغة خاصة به لكي يُعبر عن نفسه. اللغة والمادة البنائية الأدبية للحق هي لغة الإنسان الذي يُوجه له الحق، التعبير الأدبي لكل عصر يُعبر عن الحق. الله لا يُعلن لغة وتعبيرات بل الحق. وكلما كانت التعبيرات الأدبية والنسق اللغوي شامل ومتطور كلما قُبِل تعليم الكنيسة في دوائر كبيرة من المؤمنين. إختيار الكلمات والأنساق الأدبية هو عمل الأب والمعلم في الكنيسة. والأب الذي يميز شكل المصطلحات والمحتوى هو أب أرثوذكسي. وعلى النقيض، ذاك الذي ليس لديه فضيلة التمييز ليس أرثوذكسي. 
ويوضَّح باسيليوس مسألة الحقيقة الإلهية وعلاقتها بالتربية الكلاسيكية أو بالمُناخ الفكري في عصره قائلاً في رسالته "إلى الشباب". " حقًا بالنسبة (للشجرة) فضيلة طبيعية هي أن تعطي ثمرة في أوانها، والأوراق تعطيها جمال يتمايل على الفروع. هكذا أيضًا النفس لديها أولاً الحق كثمرة، لكن هي جميلة وهي تلبس الحكمة العالمية كأنها أوراق تحمي الثمرة وتعطيها منظرًا جميلاً" (إلى الشباب فقرة3)
هنا يحدد بحسم القديس باسيليوس علاقة الحق بالعلوم الإنسانية من فلسفة وتربية وشعر وفنون أدبية وغيرها، فالحق هو كثمرة للنفس أما بقية العلوم هذه فهي الأوراق التي تحمي الثمرة وتُعطي لها منظرًا جميلاً. فالمكانة الأولى هي للحق الإلهي أما بقية العلوم والفنون الأدبية لها مكانة ثانية ودورها هي خدمة الحق نفسه. والمرء الذي يضع هذه العلوم في المكانة الأولى ضَّل الطريق كما يؤكد القديس باسيليوس، إذ إختبر هذا الأمر بنفسه. ويؤكد القديس باسيليوس أن هذه العلوم لها جمال آخاز يخدم الحق الإلهي، وليست العلوم فقط بل الخليقة بأكملها لأنها هي بمثابة خليقة الله، هي رائعة وجميلة (انظر ستة أيام الخليقة11:1، 1:2). 
الحياة الرهبانية
رجوع باسيليوس للمجموعات الرهبانية لإفستاسيوس سيفاستياس Ευσταθίος Σεβαστείας أعطى دافع له لكي ينشغل بجدية بمشاكلهم الروحية. وكانت هذه المشاكل كثيرة، لأن إفستاسيوس، بالرغم من أنه كانت لديه قدرة عجيبة على إثارة محبة الكثيرين للحياة الرهبانية، إلا أنه لم يكن لديه موهبة القيادة الصحيحة والكافية في هذه الحياة. وعلى الأكثر، لأن إفستاسيوس لم يكن يحمل التقليد الأصيل والإيمان المستقيم (لأن في شبابه كان تابعًا لآريوس) وله مواقف غير ثابتة. هكذا مجموعاته الرهبانية الكثيرة التي كانت في أرمينيا الصغرى وبنطس وكبادوكية وأماكن أخرى ظهرت عليها ضعف روحي، وإنحرافات كثيرة سواء بإرادتهم أو من غير إرادتهم. وهذه المشاكل مع إرتباطها بموجة حماس الرهبان الميسالينيين الفوضويين الذي أتوا من ما بين النهرين، أظهرت أن الرهبنة، بالرغم من الإزدياد الكبير لعدد الرهبان، إلا أنها كانت بلا روحانية ولأجل هذا هي خطرة على الرهبان أنفسهم وعلى كل الكنيسة. 
القديس باسيليوس تحقق من هذه الأزمة بالفعل في الفترة ما بين359م إلى 362م وكتب مبادئ "ὀρους " وقوانين "κανόνες ". هذه النصوص لم تكن قانونية بالمفهوم المطلق للكلمة. وباسيليوس بالإستعانة بتربيته اللاهوتية وخبرته التي إكتسبها خصوصًا عندما زار رُهبان مصر قبل ثلاثة سنوات كتب نسكياته كسند روحي للرهبان، وكمرشد لحياة الشركة ولتوضيح الهدف والوسائل والمبادئ والمصاعب والإطار الذي لابد أن تتحرك فيه الرهبنة. العمل النُسكي كان بمثابة قيادة وعظية ونُسكية مع إستخدام شواهد كتابية كثيرة. الروح العملية هي واضحة في النصوص. إهتمامه الأول هي أن يَقنع بأن الإنسان ككائن إجتماعي (مبادئ متسعة فقرة3 ). 
يجب أن يحيا حياة الشركة فالرهبان المتفرقين لابد أن يصيروا في شركة كأخوة معًا كما رأي باسيليوس في أديرة باخوميوس في مصر. يجب أن يوجد مشرف روحي مسئول عن الأخوة، وعلى الأخوة أن يطيعوه ولأول مرة، الاعتراف يصير قانون هام للحياة الروحية. (انظر المبادئ المتسعة فقرة26، والمبادئ المختصرة فقرة229).
 الحياة اليومية للرهبان تخصص بتوزان للصلاة وللعمل وللدراسة. كان يَصّر على دراسة الكتاب وعلى البُعد التربوي للرهبان ولأجل هذا الغرض لديهم في الأديرة معلمين. (مبادئ مختصرة فقرة292). 
ما كان يشغل باسيليوس هو تحرَّر الإنسان من الشهوات ومن تأثير الشيطان لكي يصل إلى الهدف النهائي للإنسان، أي إلى "مجد" الله. 
محبة الله تمثل أساس ودافع آمِن لهذا التحرر الذي يُعبر عنه في الصلاة النقية. الإنجاز الأسمى، حالة الصلاة النقية، يصل إليها الراهب عندما يكتسب حالة اللاهوى بالنسبة لكل شيء ويحيا ملتصقًا تمامًا بالله. 
الأخطار الروحية الكبيرة لحياة التوحد وإنحرافها إلى حالات حماسية قادت باسيليوس إلى أن يُحذر من هذا النوع من النسك. كوَّن (ألفَّ) نوع من الترابط بين حياة الشركة وحياة الوحدة. المتوحدون يمارسون نسكهم قريبًا من دير يحيا حياة الشركة. هكذا الذين يحيون حياة الشركة سيستفادوا من حياة المتوحدين. وأيضًا المتوحدون سوف يتعلمون المحبة من الذين يحيون حياة الشركة (انظر غريغوريوس اللاهوتي مقالة43: PG36,577). 
محاولة باسيليوس أن يوجَّه الرهبان توجيهًا مستقيمًا ويُنظم حياة الرهبنة كان له صدى عظيمًا، لأن عمله هذا كان مؤسس تأسيسًا كتابيًا، وله ملمح عملي، يُعلِم الحياة النسكية المعتدلة، ويقدم إتزان بين التعليم والتطبيق. من القرن الرابع وصاعدًا، أعمال باسيليوس النسكية إنتشرت بطريقة متسعة ودُرست دراسة عميقة لم يحظى بها أي نص آخر، خاصةً في الشرق صارت أعماله النسكية خلاصة هامة للرهبان. 
مساهمته في تطور الحياة الليتورجية
تقدمة باسيليوس الخاصة بتطوير الحياة الليتورجية هي تقدمة هامة، إذ إرتبط نشاطه هذا بمحاولته أولاً بأن يُعطي للرُهبان صلوات كاملة يومية، وإرتبط أيضًا بعمله في قيصرية ككاهن من سنة 364م. توجد خمسة طلبات لباسيليوس في صلوات السواعي حسب الطقس البيزنطي اثنين في صلاة باكر وطلبة واحدة في صلاة الساعة السادسة ومثلها في صلاة الساعة السادسة وكذلك واحدة في صلاة الساعة التاسعة. وأيضًا هناك طلبتين لباسيليوس في صلاة نصف الليل. أيضًا هناك قُداس الإفخارستيا ومعروف لنا في الكنيسة القبطية بإسم القداس الباسيلي. 
بعض التعاليم في رسائل القديس باسيليوس [3]
عدد الرسائل التي بين إيدينا 366 رسالة، ويقسم كواستن عالم الآباء رسائل باسيليوس زمنيًا هكذا: 
1ـ الرسائل من 1ـ46 وهي التي كُتبت قبل الأسقفية من سنة 357ـ370م. 
2ـ من47ـ291 وهي الرسائل الأسقفية من سنة370ـ378م. 
3ـ من 292ـ 366م وهي الرسائل التي لم يحدد زمانها أو يشك في صحتها. 
أما من حيث المضمون يقسمها كواستن هكذا: 
1ـ تاريخية. 2ـ عقيدية. 
3ـ أخلاقية ونسكية. 4ـ قانونية. 
5ـ ليتورجية. 6ـ تعزية. 
7ـ توصية. 8ـ صداقية. 
كان يعرف جيدًا حال الكنيسة في عصره: 
كان باسيليوس قلقًا على حال الكنيسة بسبب البدع وأهمها البدعة الآريوسية. طبعًا كان يستثني من هذا الوضع السيئ كنيستي أنقرة وقيصرية الجديدة. وباسيليوس كان يجاهد دائمًا ضد البدع والهرطقات ويحث دائمًا الكنائس على التحرك من أجل الدفاع عن الإيمان المستقيم: " لقد إبتعد عنا السرور والفرح الروحي. وأنقلبت أعيادنا إلى مناحات. بيوت الصلاة أُغلقت والهياكل أُفرغت. المسيحيون ما عادوا يجتمعون معًا.
 ولا المعلمون يدرسون ولا العقائد المستقيمة تعلّم، ولا صلوات ليتورجية ولا ترانيم مسائية" { رسالة243}. 
لقد كان يتكلم عن حال بعض الكنائس بصراحة شديدة بدون أي مواربة، لقد كتب لأسقف تسالونيكي: إسخوليوس، قائلاً: "لم تنج أرض من حريق الهرطقة...إضطهادات كثيرة، المحبة فترت.. تعليم الآباء فسَّد.. الإيمان ضعيف... أفواه الأتقياء صمتت... والناس المطرودون من الهياكل يصلون في العراء" {رسالة64}
سلطة الآباء
إن دفاع باسيليوس عن الإيمان المستقيم ليس هو قضية شخصية، حيث يؤكد هو نفسه للكاهن أفاغريوس "ليس عندي، بنعمة الله، أي خصام شخصي مع أحد. ونرجو الله أن يتمم كل شيء حسب القوانين الكنسية وبإنضباط" {رسالة156}. إنها قضية الحق والإيمان ومقياسها الأساسي الآباء القديسون وخاصة الذين اجتمعوا في المجمع المسكوني الأول وأدانوا آريوس سنة 325م: " إذ لم نتبع الآباء ولم نعط لكلمتهم سلطة أكثر من رأينا الخاص، فهذا موقف يستحق اللوم لأنه يعبر عن إكتفاء وإمتلاء" {رسالة52}. الثبات في الحق كانت السمة الأساسية لشخصية باسيليوس: " مهما كنت صغيرًا وغير مُعتبر فأنا باقٍ كما أنا أبدأ بنعمة الله، لا أتغير مع تغيرات العالم. ودستور إيماني لم يتغير لا في سلوقية ولا في القسطنطينية ولا في روما" {رسالة251}
باسيليوس رجل الخدمة الدائمة
يؤمن باسيليوس بأن الأسقف راعي يبذل نفسه عن الخراف مثل سيده. لا يتواني عن الخدمة لحظة واحدة "بما أنني إنسان كيف استطيع ألا أشارك آلام إنسان حرَّ وأسعى لخدمته" {رسالة180}. وكما يوَّحد المسيح ذاته مع المحتاج، هكذا باسيليوس يوَّحد ذاته مع طالب العون فيسأل أصدقاءه أن يعاملوا المتشفعين لديه كنفسه. {رسالة36}
كان يتوسط دائمًا لأجل الناس من أجل إحقاق الحق وإقامة العدل ونُصرة البائس والمظلوم ويقدمها باسيليوس من أجل الجميع. فمن أجل أفسابيوس ضحية الوشاية الكاذبة، يكتب للقاضي صفرونيوس "يليق بك وبإستقامتك أن تبدد الوشاية كما نرجوك أن تنصر العدالة... وتؤيد هذا الإنسان وتدافع عنه وعن الحقيقة" {رسالة177}. ومن أجل الفقراء وخدمتهم يكتب للمحاسب أن يساعدهم ويصرف لهم من أموال الدولة (انظر رسالة143،142). ويُذكِّر المسؤولين بوعودهم للأرملة جوليت كي ينصفونها {رسالة107}.
 كما يكتب للوالي مودستوس من أجل أهل جبال طوروس كي يخفف عنهم ضريبة الحديد الذي كانوا ينتجونه {رسالة110}. وكان باسيليوس لا يتملق المسئولين، بل كان يُذكِرهم بفضائلهم لكي يُثير عندهم الغيرة على عمل الحق، فيقول للحاكم أنتباتر "أكتب لنتمتع باستقامتك.. أنت صديق القوانين... الذي لا يبتعد عن الحق.." {رسالة137}. كما يكتب بكل رصانة إلى قائد الجيش فيكتور" أنت تتصرف لا لترضي الناس، بل لترضي الله الذي كرَّمك" {رسالة152}
يقف بجانب الساقطين
يكتب للذين يعثرون في طريق الفضيلة مبينًا لهم عمق السقوط ومذكرًا إياهم بطهارتهم السابقة ويحثهم على التوبة دون أن يفضحهم ويشمت بهم أو يسخر، فإلى تلك العذراء التي سقطت يقول: "تذكري النذر أمام الرب والملائكة والناس. تذكري جوق العذارى المقدس، تذكري العذراء مريم. تذكري الحياة الروحية وليالي السهر والترانيم والتسابيح والمزامير"، ثم يذكرها بالدينونة ويحثها على التوبة، مستنجدًا بالآيات والحوادث الكتابية، ويؤكد لها أن الرب يسوع يفرح بعودة الخاطئ والإبن الضال: " لننهض من سقطتنا ما دام الأمر ممكنًا ولا نيأس من حالنا... فالرب يسوع قد جاء ليخلص الخطاء...وهو الراعي الصالح الذي يفتش عن الخروف الضال" {رسالة46}. 
يوَّبخ أساقفة القرى الذين يأخذون مالاً لرسامة أشخاص مُذكِرًا إياهم بقول بولس لسيمون الساحر "لتذهب فضتك معك إلى الهلاك" (أع20:8). كما يُذكرِّهم بأنهم يشبهون يهوذا الخائن وبالتالي يرجوهم كي يقلعوا عن هذا العمل وإلا فليتركوا هياكل الله ويفتشوا عن مكان آخر" {رسالة153}. 
كيف يحيا الإنسان المسيحي؟ 
يطلب منا نحن المسيحيين "أن ندرب العين واللسان في روح الإنجيل، وأن تعمل أيدينا بغاية مرضاة الله، ونحرك أرجلنا في خدمة كل إنسان، أن نكون متواضعين في اللباس...حذرين في علاقاتنا مع الناس، قانعين بالضروري من الطعام والملكية" {رسالة173}. وإذا كان المسيح حياتنا فهو بالتالي موضوع أحاديتنا ومن وصاياه يجب أن تنبع كل أفكارنا وأعمالنا {رسالة119}، لذا على المسيحي أن يكون ذِكر الرب أمامه دائمًا وأن يعمل ما يُرضيه {رسالة146}
نصائحه للرهبان
بالنسبة للرهبنة يشدد القديس باسيليوس على الإنسحاب الحقيقي من العالم: "أن نقطع الجبال التي تربطنا به وبهمومه ومشاكله" {رسالة2}. فالهدوء الذي نحصل عليه في الدير" هو بدء تطهر الذات، وبعدم الإكتراث بأمور الدنيا بدء الإهتمام بأمور الله {رسالة2}. والوحدة "هي دواء للأهواء والشهوات لأنها تهدئها وتقربنا لله وخاصة عندما تكون مقرونة بالصلوات والترانيم". وهذه يجب أن ترافقنا دائمًا لأنها "تثبت النفس في الفرح وتخرجها من الأحزان" {رسالة2}
والصلاة المقبولة هي التي تطبع في النفس فكرة واضحة عن الله، وهذا هو معنى تسبيح الله، أي أن نجعل، بالذكرى، الله قائمًا فينا. وهكذا عندما لا تقطع الهموم الدنيوية هذه الذكرى نصبح هيكلاً لله. فمن يحب الله يبقى بالقرب منه ويقتل في نفسه كل رغبة تقوده إلى الرذيلة ويلتزم حياة الفضيلة {رسالة2}
هكذا لكي نسلك طريق القداسة، لا يكفي حسب القديس باسيليوس أن نبتعد عن الرذائل بل أن نلتزم بالمحبة في معاملتنا مع الناس: نفتقد المرضى والمسجونين، نروي العطشان، نكسو العريان ونُطعِم الجائع... وهذه الأفعال جميعها أساسها الكتاب المقدس الذي يروي لنا سيرة القديسين ويدعونا للإقتداء بها. فمن يوسف نتعلم العِفة ومن أيوب الصبر والشجاعة.. وكما يتوجب على الرسام الماهر أن ينظر مرارًا إلى نموذجه ويحدق فيه، كذلك يقول لنا باسيليوس، علينا نحن أيضًا أن نثبت النظر في قديسينا {رسالة2}
العقل والإيمان ومعرفة الله
العقل ـ بالنسبة لباسيليوس ـ هو أمر رائع وهو من ملامح صورة الله فينا. بإمكانه أن يميل للخير أو للشر. فعندما يبقى بمفرده وبدون العون الإلهي، يتأمل الأمور الصغيرة ويقيس نفسه بنفسه، أي يكون مقياسًا ومرجعًا لنفسه، وساعتها يؤله الخشب والمال. أما عندما ينفتح للنعمة الإلهية، كما تستطيع طبيعته أن تستوعب، يصبح العقل قادرًا على معالجة الأمور العظيمة وأن يتأمل الجمال الإلهي. وقدرة التمييز التي وهبها الله للعقل، غايتها أن تفهم الحق. وإلهنا هو الحق بعينه. ولذا العمل الأول لعقلنا هو أن يعرف الله. وهنا يشدد باسيليوس مرارًا، كما هو مسموح ومستطاع للطبيعة الإنسانية. فالعين لا تدرك إلا ما هو بقدرتها. ولذا قال الرسول نحن "نعرف الآن بعض المعرفة" (1كو10:13) {انظر رسالة233}. 
نحن لا نستطيع أن نعرف جوهر الله، بل ندرك عظمته، وقدرته وحكمته. كما بإمكاننا أن نعرف أنه عادل، رحوم، محب..وذلك من خلال أعماله. ولذا نؤمن به ونعبده (المرجع السابق) ـ العقل بدون الله باطل، وبنعمة الله يتقدس فيدرك وصايا الله ويحفظها ـ وهكذا لا فصل بين العقل والقلب والحياة. كلها متداخلة مترابطة ببعضها. فلا معرفة نظرية بحتة، بل راسخة في القلب ومتجسدة في الحياة. 
أعماله وكتاباته [4]
1 ـ كتابات عقائدية
أ ـ كتاب " ضد أفنوميوس " الآريوسى حيث دافع فيه عن إيمان مجمع نيقية بالمنطق والإستشهادات الكتابية. 
ب ـ " الروح القدس " حيث أجاب فيه على الذين ينكرون إلوهية الروح القدس. 
2 ـ كتابات نسكية
أ ـ " في الأخلاقيات " يتألف من 80 قاعدة تختص بواجبات المسيحيين ورعية الكنيسة. 
ب ـ كتاب يحتوى على قاعدتين للحياة النسككية. 
3 ـ كتابات تربوية
حيث وصل إلينا مقال واحد في إلى الأحداث " فيه آراء القديس باسيليوس في التربية حيث يتكلم عن كيفية الإستفادة من قراءة الأدب اليونانى. 
4 ـ العظات
أ ـ مجموعة عظات تحت عنوان " أيام الخليقة الستة " وهو ما يسمى بالـ Hexameron يشرح فيه نشأة الكون في الإصحاحات الأولى من سفر التكوين حيث يتكون من تسع عظات كانت تلقى في الصوم الكبير. 
ب ـ عظات في شرح المزامير (30 عظة) 
ج ـ عظات في شرح سفر إشعياء (16:1)
د ـ 21 عظة في موضوعات مختلفة: ضد السُكر، الغضب، ضد اقتراض الأموال. 
هـ عظة على سفر أيوب (لكنها مفقودة). 
5 ـ الرسائل
وهى تمثل الجزء الأكثر أهمية في أعمال القديس باسيليوس حيث إنها تعالج المواضيع العقائدية والأخلاقية والرعائية. وهذه الرسائل جمعها القديس غريغوريوس النزينزى وبقى منها حوالى 365 رسالة وأهم هذه الرسائل هو رسالة موجهة إلى شقيقه القديس غريغوريوس النيصى عن " الثالوث ". 
6 ـ الليتورجيات
حيث توجد 3 ليتورجيات تحمل اسم القديس باسيليوس أحداها هى المستعملة في كنيستنا القبطية الأرثوذكسية، وهو القداس الباسيلى الأكثر استعمالاً في كنيستنا. 


د. جورج عوض إبراهيم 
دكتوراة فى العلوم اللاهوتية 
باحث بالمركز الارثوذوكسى للدراسات الابائية 

____________________________________________

[1] سيرة حياته مأخوذه بتصرف عن كتاب: القديس باسيليوس الكبير حياته، نسكياته، قوانينه الكنسية، أصدره دير السريان سنة1960، صـ1ـ25. 
[2] المقصود بذلك منشور ميلان الذي أصدره الإمبراطور قسطنطين سنة313م. يبيح فيه للمسيحيين أن يمارسوا شعائر دينهم كدين معترف به في الدولة. 
[3] انظر الأب إبراهيم سروج، قراءة في رسائل القديس باسيليوس الكبير، المنشورات الأرثوذكسية، بدون تاريخ 
[4] مأخوذة من مذكرة د. ميشيل بديع، الخاصة بالكورسات.