حياته
نعرف القليل عن حياة هذا الكاتب العظيم.
لقد وُلِدَ من أبوين وثنيين، درسَّ وبدأ نشاطه في قرطاج التي تقع شمال إفريقيا، حيث كانت المسيحية في إزدهار، وكذلك اللغة اللاتينية الكنسية وُجدِت هناك في إزدهار عظيم أكثر من روما. تربيته كانت تربية يونانية ولاتينية، ولكن ما كتبه باللغة اليونانية فُقِدَ.
عمله يُظهر دراسته الجيدة في القانون والخطابة والفلسفة الرواقية. إسمه وفق نصوصه هو Septimius Tertullinaus وليس الاسم الذي نُسب إليه فيما بعد Quintus Septimius Florens Tertullianus. حياته وعمله كانت ما بين (150/160م ـ 225/240م). رجوعه إلى المسيحية الذي هو غير معروف زمنيًا وقت حدوثه، إلا أنه لم يصر وهو في سن مبكر، ورجوعه هذا قد أعطاه دافع للجرأة أمام الاستشهاد. عمَّل بحرارة مهاجمًا أعداء الكنيسة، بالأخص كتاباته التي رأت النور ما بين (196ـ212م). إنضمامه الكامل للمونتانية كان حوالي سنة 215م.
لا يعرف أحد متى مات؟ وكيف؟ ربما أُحبط من المونتانية في أواخر أيامه فإنزوى ومات دون ضجيج.
تعليم العلامة ترتليان
*مقدمة:
يُعتبر ترتليان أول لاهوتي عظيم كتب باللغة اللاتينية. بدأ نشاطه وكتاباته ما بين (196ـ212م) في قرطاج، التي صارت وقتذاك أهم مركز للكتابات المسيحية، المركز الأكثر قوة وإزدهارًا من روما. هو معاصر تقريبًا لكليمنضس الأسكندري، وإيرينيوس أسقف ليون وهيبوليتوس. هؤلاء الرجال الأربعة كانوا مؤثرين كل واحدٍ في مكانه، بيد أن إتجاهاتهم اللاهوتية كانت متنوعة.
فالقديس إيرينيوس أسس التعليم عن التقليد وإنجماع كل شيء في المسيح، وكليمنضس أنشأ ما يُسمى بالغنوسية المسيحية الحقيقية، بينما هيبوليتوس قد واجه مشاكل عصره بالحلول التدبيرية الكنسية العملية، أما ترتليان فقد هاجم أعداء الكنيسة ونجح في إضعافهم ولكن تبنى آراء المونتانيين وسقط في شباكهم.
هذا يدل على مدى صعوبة مسيرة الكنيسة وأن آباء الكنيسة العِظام قد عَبروا عن حياتها ومسيرتها إيجابيًا وسلبيًا.
بمساهمة ترتليان إكتسب الغرب اللغة المسيحية اللاتينية والمصطلحات اللاهوتية اللاتينية، إلا أنه وجَّد صعوبة في العثور على الطريق اللاهوتي المستقيم، إذ كان تعليمه بمصطلحاته اللاهوتية لم يكن كافيًا لسَّد إحتياجات الكنيسة.
المسيرة الروحية الشخصية والداخلية للعلامة ترتليان هي مجهولة لنا. أعمال لا نجد فيها عناصر مسيرته الداخلية. ومثلما فعل يوستينوس في كل مساهماته أن يبرهن على أنه في شخص المسيح تمت النبوات، لأنه بواسطة النبوات رجَّع إلى المسيحية، هكذا ترتليان في كل حياته فرضَّ على نفسه حياة الكمال والجرأة والجهاد المسيحي عندما رأى شجاعة وسخاء شهداء الإيمان. رجوعه وبداية التعليم المسيحي اللاتيني تزامن مع إزدهار المونتانية وإتساع الحركات النبوية والرؤيوية والإزدهار العظيم للأدب الرؤيوي (على سبيل المثال: أعمال الرسل المختلفة المنحولة).
هذه الحالة أثرت بشكل حاسم على ترتليان، والنتيجة دخوله في المونتانية، إلا أن الملامح المونتانية كانت موجودة عنده في وقت مبكر. كان قوي وله هيبته، عنيف، ذات وجهة نظر أحادية، ولم يكن صبورًا ودءوبًا في بحثه عن الحق. هكذا لم يدخل بعد في روح الكنيسة وأتونها، لم يذق حقيقتها ورأى تفاهمها كأنه إعتدال وغفرانها للخطاة كأنه خيانة لله. الإعتدال كان عدوه.
الملمح الهجومي في عمله هو واضح جدًا، بالرغم من أنه بدَّا كأنه كاتب دفاعي ضد الهراطقة، ومعلم وقانوني وعالم أخلاقي. ودائمًا يُوصف بأنه دفاعي لكن في الحقيقية كان هجوميًا في أكثر أعماله وليس دفاعيًا.
الهراطقة والغنوسيون واليهود والكنيسة عرفوَّا مدى غضبه وحدِته وعقله النقدي وسخريته وسوفسطائيته ومبرراته القانونية. تممَّ عمله بالإستعانة بعِلم القانون والخطابة والفلسفة والتعليم اللاهوتي واللغة اللاتينية وحماسه للأدب النبوي الرؤيوي.
الفكر القانوني والفن الخطابي بالسوفسطائية يمثلون أسلحة ترتليان الهامة. كل مبرراته لها ملمح قانوني وجدلي، والأمر المسلم به لديه، يؤكد للوثنيين الوضع القانوني للمسيحيين وقانونيتهم المطلقة في المجتمع.
لقد أدخل ترتليان الروح القانونية والفكر القانوني في التعاليم اللاهوتية اللاتينية. لقد رأى المفاهيم الكنسية واللاهوتية من منظار قانوني. نظمَّ أفكاره ومبرراته بالفن الخطابي. كما كان يفعل أي سوفسطائي قديم في عصره. لقد إستخدم وسائل وأشكال أدبية كانت تُستخدم عند السوفسطائيين الأمر الذي كان يتطلب دراسات جادة وحِس لغوي ممتاز.
الفلسفة تلعب دورًا هامًا في عمله، على الرغم أنه يرفضها ويحتقرها: "ما علاقة أثينا بأورشليم؟ أي إتفاق بين الأكاديمية وبين الكنيسة؟ أو بين الفلاسفة العظام بالنسبة له هم مُحرفي الحق ومسئولين عن ظهور الهرطقات ".
مع كل هذا فإن ترتليان يُعبر في عمله عن اللاهوت الطبيعي والإعلاني، لأنه يقرَّ بقوة ما في الوعي البشري تستطيع أن تُشكَّل فكرة عن الله وإن كانت غير واضحة ويستطيع أن يقول: anima maturaliter Christiana مسيحية إنسانية طبيعية. وهذا الفكر ينحدر من الفلاسفة الرواقيين وأخذه ترتليان من سينيكا الفيلسوف الذي كان يُقدره كثيرًا. كما أنه أخذ مفهوم الطبيعة من الفلسفة الرواقية وتأثر أيضًا بالأفلاطونية.
التعليم اللاهوتي لترتليان
أستند على معرفته بالكُتَّاب الكنسيين السابقين، وعلى الكتاب المقدس الذي فسَّره رمزيًا أو نماذجيًا ـ تيبولوجيًا، وعلى قناعاته الشخصية بالمونتانية (الإعلان الثالث للباراقليط)، وعلى الفكر الفلسفي والقانوني.
تقدمته لها أهمية خاصة في المصطلح الثالوثي والخريستولوجية. الأول بعد ثيوفيلوس الأنطاكي إستخدم مصطلح ثالوث وأشار إلى لاهوت وناسوت المسيح. يُميز بين الأقانيم في إلوهية واحدة ويقرَّ بحقيقة إتحاد لاهوت وناسوت المسيح. الشخص (persona) يُعبر عن وحدة الجوهر (substantia) والطبيعة الإلهية للمسيح لم تمحوا الطبيعة البشرية.
هذا التعليم مفيد فيما بعد للآباء اللاحقين، إذ أن مصطلحاته التي ذكرناها كانت واضحة، لذا دخلَّت في شرح تعليم الكنيسة.
لقد أظهر تقديرًا وإخلاصًا للكنيسة في الفترة الأولى لحياته المسيحية، لذا دعيَّ الكنيسة أم (mater ecclesia) الأمر الذي كان قد فعله قبله بقليل كلمينضس الأسكندري (المربي9:1). لقد كان يعترف أن الكنيسة وحدها تملك الحق. في مساهمته التعليمية تأثر بالغنوسية والفلسفة هكذا الحكمة والكلمة (اللوغوس) يتطابقان: الحكمة أتت من الآب قبل الخلق، لكن عرفت أيضًا ولادة أخرى، حتى أنها صارت اللوغوس.
مجيء الإبن صار كأنه تدفق من المنبع الذي هو الآب، والإبن هو جزء وليس كل الجوهر. بالتالي فكرة أن الإبن أقل من الآب Subordinatio كانت تسري من القرون الثلاثة الأولى، ووُجدت في فِكر ترتليان. والجدير بالملاحظة أن ترتليان لم ينشغل بعمق في قضايا لاهوتية عظيمة بسبب نفاذ صبره وطريقته الفظة والقاسية، وكذلك بسبب أفكاره المونتانية عن المجيء الثالث للباراقليط. والحقيقة أن ترتليان، بالرغم من ذلك، لم يهجر جذريًا التقليد الكنسي اللاهوتي مثلما فعل بقية المونتانيين، ولا هو تجاهل هذا التقليد. فعندما كتب ضد مارقيون، فندَّ الثنائية التي علم بها مارقيون بين إله العهد القديم وإله العهد الجديد، وأن خالق العالم هو نفسه الإله الصالح، وأن المسيح الذي جاء هنا على الأرض ليس إلا المخلص الذي تنبأ عنه الأنبياء.
إستند ترتليان على اللغة اللاتينية الكلاسيكية بمساعدة عناصر من لغة الحديث المعروفة وأمثلة صنعها هو نفسه. هكذا أعطى لغة حيَّة للكنيسة ودقة لغوية للتعاليم اللاهوتية. وبالرغم من أنه إستخدم قوانين اللغة والخطابة والجدل السوفسطائي، إلا أنه كان من السهل عليه إختراقها وإلغائها. والنتيجة هو وجود شكل لغوي غامض في نصوصه وسياق لغوي ناقص.
المونتانية أبعدت ترتليان بالأكثر عن واقع الحياة في عصره ومشاكلها. كانت لديه قناعة بالمُلك الألفي للمسيح على الأرض، فرض قوانين صارمة للحياة، حاوَّل أن ينظم تفاصيل السلوك الإجتماعي، منَّع المؤمنين من بعض المِهن الإجتماعية، الجندية والرُتب الحكومية، شرَّع في وضع نظام ضد المجتمع تمامًا وأراد الكنيسة بدون أي تكييف أو تنازل في نظره مع المجتمع المحيط، أرادها دائمًا مجاهدة ضد الدولة.
في الختام كان ترتليان عظيمًا في عصره وترك عمل عظيم لكن تأثيره على اللاحقين كان قليلاً لأنه كان هذا العمل جوهريًا سوفسطائي (جدلي) وقانوني، ورواقي، ومكوَّن من المسيحية والمونتانية.
1) الأعمال الدفاعية
1ـ إلى الوثنيين :
كُتب عام 197م، ويتكون هذا العمل من كتابين:
في بداية الكتاب الأول يوضح ترتليان أن الإجراءات الرسمية المتبعة ضد المسيحيين ليست فقط غير عادلة بل أنها تناقض كل مبادئ العدالة. وهذا الظلم هو نتيجة لجهل الوثنيين وعدم معرفتهم بالمسيحيين معرفة صحيحة. ثم يفند المؤلف الإدعاءات الكاذبة ضد المسيحيين ويثبت عدم صحتها وكذبها ويضيف أنه حتى لو كانت حقيقية. فهذا لا يُعطي الوثنيين الحق في إدانة المسيحيين لأنهم هو أنفسهم يرتكبون جرائم أبشع.
وبينما أنتهج ترتليان في الكتاب الأول منهجًا دفاعيًا نجده في الكتاب الثاني يتخذ منهجًا هجوميًا، إذ كتب نقدًا لاذعًا للديانة الوثنية بصفة عامة، وللمعتقدات الرومانية في الآلهة بصفة خاصة، وتحدث عن مفهوم الإله وبرهن على أن الآلهة الوثنية ليست إلا إختراعات بشرية مخلوقة.
2ـ الدفاع :
" الدفاع" هو أهم أعمال ترتليان على الإطلاق، وهو يختلف كثيرًا عن كتابه "إلى الوثنيين" رغم أنهما يتشابهان في المضمون إذ وضع ترتليان لـ "الدفاع" بنية مترابطة الأجزاء والأفكار، بينما يبدو "إلى الوثنيين" كمجموعة من المقالات وليس كقالب متكامل.
مضمون الدفاع:
في المقدمة التي تتكون من ستة فصول، يشرح ترتليان أن الجهل هو السبب وراء إضطهاد وكراهية المسيحيين، وأن الإجراءات القانونية والقضائية التي تتبعها السلطات معهم تخالف كل مبادئ العدالة وتقاليدها، والوثنينون أنفسهم لا يستطيعون أن يقدموا سببًا معقولاً لكراهيتهم للاسم "مسيحي". وفي دفاعه يُظهر ترتليان مهارته كرجل قانون، ويشرح أن المسيحيين لا يشتركون في تكريم آلهة الوثنيين لأنها ليست إلا كائنات من اختراع الإنسان وصورها مادية مائتة، وليس غريبًا أن تكون هناك سخرية من هذه الآلهة في المسرح واحتقار لها في أعيادها، أما المسيحيون فيوقرون خالق العالم الإله الحقيقي الوحيد الذي أعلن ذاته في الأسفار الإلهية، لذلك من الظلم أن يتهم المسيحيون بالإلحاد طالما أن معبودات الوثنيين ليست آلهة، وينادي ترتليان بحرية الأديان ويتساءل لماذا يسمح للوثنيين بحرية تامة في أن يعبدوا ألهتهم وينحتوا لهم معبودات من الطيور والحيوانات كما يشاءون، بينما المسيحيون، والمسيحيون فقط، ممنوعون من أن يكون لهم ديانة خاصة بهم.
وأبرز ترتليان أن المسيحيين ليسوا أعداء للدولة ولا للبشرية، وأنه من الظلم أن يُحسبوا خارجين عن القانون.
3ـ شهادة النفس:
اعتاد الفلاسفة الهيللينيين أن يستقوا معرفتهم عن الله من العالم الكبير Macrocosm ومن العالم الصغير Microcosm، العَالَم الكبير هو الكون كله، أما العالم الصغير فهو النفس البشرية وكان ترتليان يتبع نفس هذا المنهج. والمناقشة حول النفس، والتي وردت في كتابه "الدفاع" عدلها ترتليان باستفاضة فيما بعد في عمل منفرد بعنوان "شهادة النفس" كتبه في نفس العام الذي كتب فيه "الدفاع" أي 197م وتتضح السمة الدفاعية لهذا العمل ذي الفصول الستة من محاولة المؤلف أن يتخذ من النفس شهادة على وجود الله وصفاته، وشهادة على الحياة بعد الموت، وعلى الجعالة الحسنة والعقاب في الحياة الآتية.
رأي ترتليان أنه لا حاجة للتأملات الفلسفية لأن الحقائق جميعها موجودة داخل النفس، فالطبيعة هي أعظم معلم لأنها تعكس صورة الله، فبعكس المدافعين اليونان، يؤكد ترتليان على عدم جدوى الإستعانة بالفلسفة، لأن الطبيعة ببساطة هي أفضل شهادة للحق.
4ـ إلى سكابيولا:
" إنه حق إنساني وامتياز من الطبيعة، إن كل إنسان يعبد بحسب معتقده، فديانة المرء لا تؤذي ولا تنفع أي إنسان أخر" هذه المناداة بحرية العقيدة والعبادة نقرأها في افتتاحية الرسالة التي أرسلها ترتليان إلى سكابيولا حاكم أفريقيا (211ـ213م) الذي بدأ يضطهد المسيحيين وأخذ يلقيهم إلى الوحوش الضارية ويحرقهم حتى الموت، ويبدو أن ترتليان كتب هذا الدفاع نحو عام 212م.
يتكون هذا الدفاع الشجاع من خمسة فصول، يؤكد ترتليان في الأول منه ـ وهو المقدمة ـ على أن الدافع وراء الكتابة ليس الخوف على المسيحيين، فهو أمر غير معقول ويتنافى مع حق حرية الضمير أن يُرغم المسيحيين على الذبح للأوثان، وهم ليسوا أعداء لأحد وبالأخص لإمبراطور روما لأنهم يعرفون أنه مُعين من قِبل إلههم، فيجب أن يحبوه ويوقروه وهم يتمنون له الخير، بل ولإمبراطوريته كلها. ولكن المسيحيين يحزنون عندما يجدوا السلطات لا تعاقب على جريمة سفك دم مسيحي. ويحذر ترتليان الحاكم من أن القسوة لن تنجح بل فقط ستزيد من عدد المؤمنين.
5ـ ضد اليهود :
تزامن هذا الكتاب مع حدوث مجادلة ومحاورة بين أحد المسيحيين وأحد اليهود، استغرقت يومًا كاملاً حتى المساء، فرأى ترتليان ضرورة صياغة هذا الموضوع في كتاب حتى يستطيع حصر نقاطه.
يوضح ترتليان في هذا الكتاب كيف أن إسرائيل قد ترك الرب ورفض نعمته، ولذلك لم يعد للعهد القديم والناموس أي قوة الآن، لكن يجب أن يُفسر روحيًا، ولذا دُعيت الأمم للدخول في الإيمان، ويشرح العلامة الإفريقي أن الوصايا المكتوبة في العهد القديم مثل الختان وحفظ السبت والتقدمات والذبائح ليست ضرورية للخلاص وأنها قد انتهت، وأُستبدل قانون العين بالعين بقانون المحبة، ومُعطي هذا العهد الجديد، كاهن الذبيحة الجديدة، حافظ السبت الأبدي، قد ظهر المسيح الذي تنبأ عنه الأنبياء وعن ملكه الأبدي، ويورد ترتليان الكثير من النبوات المسيانية التي تحققت في مخلصنا، وقد اعتمد ترتليان كثيرًا في هذا العمل على كتاب القديس يوستين الشهيد "الحوار مع تريفو".
2) الأعمال الجدلية:
1ـ علاج الهراطقة :
تتضح من هذا الكتاب معرفة ودراية ترتليان بالقانون الروماني أكثر مما في جميع أعماله الأخرى، وكان ترتليان يريد أن ينهي الجدل بين الكنيسة المستقيمة الإيمان وبين الهراطقة دفعة واحدة وذلك بأن يقدم في هذا العمل الحجج والبراهين المنطقية المنظمة التي تدحض سائر البدع دفعة واحدة.
يرى ترتليان أن موضوع الخلاف بين الكنيسة والهراطقة هو الكتاب المقدس، ولكن لا يحق للهراطقة أن يستخدموا الأسفار الإلهية في مناقاشتهم لأنها لا تخصهم، فالهراطقة لا يستشهدون بالأسفار الإلهية بل يحرفونها ويغيرون معناها، وهناك خطر جسيم يحيق بأي إنسان ضعيف الإيمان يدخل في مناقشة من الكتاب المقدس مع هؤلاء الهراطقة، لأن الكتاب المقدس لا يخص إلا هؤلاء الذين لهم قانون الإيمان.
2ـ ضد مرقيون :
هذا الكتاب هو أطول أعمال ترتليان، وهو أحد الكتب التي وعد بكتابتها ضد الهراطقة في نهاية كتابه "علاج الهراطقة"، ولهذا العمل أهمية كبيرة إذ يمثل مصدرًا أساسيًا لمعرفتنا ببدعة مرقيون، وهو يتكون من خمسة كتب:
الكتاب الأول: يفند الثنائية التي علم بها مرقيون بين إله العهد القديم وإله العهد الجديد، ويبرهن على أن مفهوم الألوهية نفسه لا يتفق مع مثل هذه الثنائية، فالله لا يمكن أن يكون إلهًا إذا لم يكن واحدًا، لأنه إذا كان سيدًا عظيمًا لابد أن يكون فريدًا ليس له نظير ولا يكف عن أن يكون سيدًا عظيمًا.
الكتاب الثاني: يثبت أن خالق العالم هو نفسه الإله الصالح.
الكتاب الثالث: يتناول خريستولوجيا مرقيون، وإذ كان يعلم بأن المسيح الذي تنبأ عنه الأنبياء في العهد القديم لم يأت بعد، لذلك يوضح ترتليان أن المسيح الذي جاء هنا على الأرض ليس إلا المخلّص الذي تنبأ عنه الأنبياء.
الكتابين الرابع والخامس: يقدم فيهما ترتليان تعليقًا نقديًا على نسخة العهد الجديد التي يستشهد بها مرقيون، مثبتًا أنه ليس هناك أي تناقض بين العهد الجديد والعهد القديم.
والشكل الحالي الذي وصلنا به العمل يمثل الإصدار الثالث منه، إذ أن النسخة الأولى منه كتبها ترتليان في عجالة، لذلك كانت سطحية، ويذكر ترتليان أنه أدخل إضافات في هذه النسخة التي وصلتنا، ويعتقد Quispel أن هذه الإضافات هي الكتابين الرابع والخامس.
3ـ ضد هرموجينيس :
لم يكن ترتليان أول من كتب ضد الرسام والغنوسي هرموجينيس القرطاجي، إذ قد سبقه إلى ذلك يوسابيوس القيصري أبو التاريخ الكنسي في كتابه "التاريخ الكنسي" وثيؤفيلوس الأنطاكي في كتابه "ضد هرطقة هرموجينيس"، ورغم أن هذا الكتاب الأخير قد فُقد إلا أنه أغلب الظن كان معروفًا لترتليان وأستعان به.
ظن هرموجينيس الهرطوقي أن المادة أزلية وأنها معادلة لله وهكذا يكون هناك إلهين، وبحسب ترتليان استقى هرموجينيس عقيدته هذه من الفلسفة الوثنية ومن الرواقيين الذي علموه أن يضع المادة في نفس المكانة مع الرب كما لو كانت سرمدية، غير مولودة وغير مخلوقة، بلا بداية ولا نهاية.
يفند ترتليان هذه البدعة في 45 فصلاً مقدمًا دفاعًا بارعًا عن التعليم المسيحي عن الخلق، ويشرح أن مفهوم الإله نفسه لا يسمح بسرمدية المادة، وبعد فحص دقيق لتفسير هرموجينيس للكتاب المقدس يحلل ترتليان التناقضات الموجودة في أفكاره عن جوهر المادة السرمدية وصفاتها الإلهية. وإذ تشير الكلمات الأولى في الكتاب إلى "علاج الهرطقات" إذًا لابد أنه كُتب بعد عام 200م، وفي كتابه "عن النفس" يذكر ترتليان مرات عدة أنه وضع عملاً آخر ضد هرموجينيس عن أصل النفس، لكنه فُقد.
4ـ ضد أتباع فالنتينوس :
في هذا العمل كتب ترتليان تعليقًا لاذعًا على أفكار الجماعة الغنوسية، ويعتمد كثيرًا في مضمونه وترتيبه على الكتاب الأول من "ضد الهرطقات" للقديس إيريناؤس، ولكنه يقتبس بعض الشيء أيضًا من القديس يوستين الشهيد وميلتيادس.
5ـ عن المعمودية :
لهذا العمل أهميته الفائقة في تاريخ الليتورجيا وسري المعمودية والميرون، فهو ليس فقط أول كتاب يتناول هذا الموضوع، بل هو أيضًا الكتاب الوحيد في فترة ما قبل مجمع نيقية الذي يتناول أي سر من الأسرار، ويُمكن أن يُصنف ضمن أدب ضد الهرطقات إذ كتب ضد سيدة من قرطاج تُدعى كوينتلا Quintilla، أضلت عددًا كبيرًا بعقيدتها المسمومة، جاعلة هدفها الأول هو مهاجمة المعمودية المقدسة، فرد عليها ترتليان في هذا العمل الصغير ذي العشرين فصلاً، ويتحدث فيه كما لو كان يعلم الموعوظين.
من أهم اعتراضات كوينتلا على المياه تساؤلها كيف يمكن لغسل الجسد بالماء أن يُطهر ويُنقي النفس ويهب خلاصًا من الموت الأبدي، لذلك بدأ ترتليان الفصل الأول بعبارة فرح وتعجب: " يا لي السر المفرح الذي لمائنا الذي تُغسل فيه خطايا ظلمتنا الأولى ونصير أحرارًا للحياة الأبدية".
ويختم الفصل بقوله: " نحن السمك الصغير نتبع سمكتنا (أخثيسΙΧΘΥΣ) يسوع المسيح، ونُولد في الماء ولا نخلص إلا بالحياة فيه (أي في الماء)".
ثم يشرح ترتليان أن استخدام الله لوسائل وأشياء من الحياة اليومية في تتميم خلاصنا يجب ألا يكون حجر عثرة للذهن الجسداني، فهو يختار المزدري وغير الموجود لخدمة أهدافه، والماء عنصر نافع وواهب للحياة، وقد قدسه الخالق منذ بداية العالم وإختاره ليكون إناء لقوته، وهنا نعرف من حديث ترتليان أن طقس تقديس جرن المعمودية كان يتمم في كنيسة أفريقيا.
ومنذ أن رفّ روح الله على المياه عند الخلق، صارت المياه رمزًا للتطهير والتنقية، وسكنى للفعالية الفائقة، وليس الغسيل الجسدي هو الذي يهب النعمة بل الفعل المُقدّس باستخدام الصيغة الثالوثية، وبعد المعمودية يأتي سر المسحة المقدسة.
ويرى ترتليان في عبور البحر الأحمر وخروج الماء من الصخرة، وأيضًا معمودية يوحنا الصابغ، رموزًا للمعمودية المسيحية، وأجاب المؤلف أيضًا على الاعتراض القائل أنه مادام المسيح لم يخدم هذا الطقس بنفسه، إذًا هو طقس غير ضروري للخلاص. ويؤكد ترتليان أن هناك ميلاد واحد فقط أي الذي في الكنيسة، وهو هنا يقرر عدم قانونية معمودية الهراطقة دون أن يخوض في التفاصيل لأنه قد تناول هذا الموضوع قبلاً باللغة اليونانية كما يذكر. ويخلو هذا العمل من أي أثر للمونتانية، ويظهر توقيرًا كبيرًا للرتب الكنسية، وقد كُتب ما بين198ـ200م.
6ـ ترياق العقرب :
"ترياق العقرب" هو عنوان كتاب صغير يتكون من 15 فصلاً يتضمن دفاعًا عن الإستشهاد ضد الغنوسيين الذين يقارنهم ترتليان بالعقارب، فهو يعترضون على تقديم الحياة ذبيحة لله، ويقولون أن هذا أمر غير ضروري ولا يطلبه الله، لذلك يشرح المؤلف أن الإستشهاد يصير واجبًا وضرورة موضوعة على كل إنسان مسيحي حينما لا يكون هناك طريقة أخرى للإمتناع عن الإشتراك في العبادة الوثنية، بل وحتى في العهد القديم كان الموت أفضل من ترك الإيمان، فالإستشهاد هو ميلاد جديد يهب النفس حياة أبدية، وقد كُتب هذا العمل غالبًا أثناء إضطهاد سكابيولا (213).
7ـ عن جسد المسيح :
يرتبط كتاب "عن جسد المسيح" بكتاب "عن قيامة الأجساد" أرتباطًا شديدًا، إذ يمثلان معًا بحثًا قوي الحجة عن قيامة الجسد ذلك أن الهراطقة بدلاً من أن يؤمنوا بهذه الحقيقة، أنكروا حقيقة جسد السيد المسيح وهكذا جددوا أخطاء الظهوريين (أصحاب الهرطقة الدوسيتية) الذين يقولون أن جسد المسيح كان مجرد ظهور وليس حقيقة.
في الفصل الأول يثبت ترتليان أن المسيح وُلد حقًا وأن ميلاده كان ممكنًا ولائقًا، وأنه عاش ومات حقًا بجسد بشري حقيقي، وهكذا يدحض أفكار مرقيون الدوسيتية. في نهاية هذا العمل يذكر ترتليان أنه سيتناول موضوع قيامة الجسد في بحث آخر، وقد كتب هذين العملين ما بين 210ـ 212م.
8ـ عن قيامة الجسد :
تربط مقدمة "عن قيامة الجسد" بين كل الذين ينكرون قيامة الأجساد من الوثنيين والصدوقيين والهراطقة، وثتبت عدم اتفاق تعاليمهم وعدم صحتها، والعقل الصائب يشهد لذلك لأن الجسد مخلوق بيد الله ومُفتدى من قِبل المسيح، ولابد أن يُدان مع النفس في اليوم الأخير.
9ـ ضد براكسيس :
أخر كتاب في قائمة أعمال ترتليان الجدلية هو "ضد براكسيس" الذي كتبه نحو عام 213م، وكان في ذلك الوقت قد إنحرف إلى المونتانية. كان براكسيس من أتباع بدعة الموداليزم Modalism أو مؤلمي الآب Patripassion الذين يقولون أن الله أقنوم واحد فقط وليس ثلاثة أقانيم، فالآب هو الابن، وبالنسبة لهذا المبتدع "الآب نفسه حلّ في العذراء، ووُلد هو نفسه منها، وتألم هو نفسه، وهو عينه كان يسوع المسيح!!.
بعد المقدمة التي تناول فيها براكسيس وتعليمه، يتحدث المؤلف عن عقيدة الثالوث وعمل التدبير الإلهي (الإيكونوميا) ثم يتحدث عن ميلاد الإبن الذي يُدعى أيضًا الكلمة وحكمة الله، ويثبت بأستشهادات كتابية حقيقية وجود ثلاثة أقانيم.
10ـ عن النفس :
فيما عدا كتابه "ضد مرقيون" يعتبر كتابه عن النفس أطول أعماله، وهو يُصنف ضمن أدب ضد الهرطقات لأن المؤلف يوضح في بداية الفصل السادس أن الأخطاء المعاصرة له هي التي جعلته يكتب هذا العمل، وكان ترتليان يعتبره تكملة لعمل سابق له "عن أصل النفس" يدافع فيه عن الأصل الإلهي للنفس ضد هرموجينيس، ويذكر الكاتب أنه بعد أن رد على هرموجينيس فيما يتعلق بموضوع أصل النفس، يريد الآن أن يلتفت للسؤال الأخر والذي لكي يناقشه لابد أن يتسلح ضد الفلسفة، ويقول أن مناقشة موضوع النفس لا تحق للمفكرين الوثنيين الذين يمزجون الأفكار الصحيحة مع الأفكار الخاطئة وهم لذلك "آباء الهراطقة"...وقد كتبه في الغالب نحو 210ـ213م.
3) الأعمال الأخلاقية والنسكية:
يتضح إنحراف ترتليان إلى المونتانية وإيمانه بمعتقداتها في أعماله الأخلاقية والروحية أكثر مما في باقي أعماله.
1ـ إلى الشهداء :
كان هذا العمل من أوائل أعمال ترتليان، وبالرغم من قصره (6 فصول فقط) وبساطة أسلوبه إلا أنه نال إعجاب الأجيال المتتالية، وقد كتبه إلى عدد من المعترفين المحبوسين والذين كانوا على وشك التقديم للموت بسبب إيمانهم المسيحي، فيشجعهم ويحثهم على الثبات، ويذكرهم الكتاب بالمعونة التي أخذوها من "أمنا الكنيسة".
2ـ العروض والمسرحيات :
هذا العمل هو إدانة ورفض شامل لكل الألعاب العامة في السيرك والإستاد والمسرح والمصارعات الرياضية، ويتكون من قسمين: قسم تاريخي وقسم أخلاقي. وقد كُتب في الغالب نحو 202م.
3ـ عن ثياب النساء :
يُعالج ترتليان في هذا الكتاب نفس الفكرة التي تناولها في "إلى الشهداء" وفي "عن العروض المسرحية"، فيؤكد أنه لا يكفي أن نجحد الوثنية في المعمودية، بل يجب أن نحيا حياة مسيحية يومية، لذلك يحذر النساء في هذا الكتاب ألا تتسلط عليهن الموضة الوثنية بل يكن متعقلات معتدلات في مظهرهن.
4ـ عن الصلاة :
كتب ترتليان هذا العمل نحو عام198ـ200م إلى الموعوظين، ويستهله بشرحه كيف أن العهد الجديد قدم لنا شكلاً للصلاة لم يكن موجودًا في العهد القديم أي الصلاة بالروح والحق، والصلاة في الخفاء، وضرورة إيمان الصلاة وثقتها بالله، وكل هذه السمات تظهر في الصلاة الربانية "أبانا الذي في السموات..." التي هي ملخص الإنجيل كله، ثم يقدم ترتليان شرحًا للصلاة الربانية، هو أقدم تفسير لها في تاريخ الكنيسة كله، إذ لم يسبقه أي تفسير أخر بأي لغة أخرى ويضيف العلامة عددًا من النصائح الثمينة العملية، فيعلم أنه لا يمكن لأحد أن يشكر الله دون أن تكون له مصالحة مع أخيه وأن يكون متحررًا من الغضب وإضطرابات الذهن، وهذا يتطلب قبل كل شيء نقاوة القلب، وليس مجرد غسيل الأيدي.
5ـ عن الصبر :
يبدأ الكتاب باعتراف متضع من المؤلف أمام الله أنه كان تهور منه ـ إن لم يكن عدم حكمة ـ أن يتجرأ ويكتب عن الصبر، لأنه هو نفسه لم يستطع أن يقتني هذه الفضيلة بعد وأن يحيا ما يكتب، لأنه إنسان بلا صلاح..ولكن مناقشة الإنسان للأمور التي لم تُعطى له ستكون نوعًا من التعزية له. يرى ترتليان أن مثال الصبر ورمزه هو خالقنا الذي يشرق بهاء نوره على الأبرار والأشرار، وقد قدم لنا السيد المسيح أعظم مثال للصبر في تجسده وحياته وآلامه وموته، ووسيلة الإنسان لبلوغ هذا الكمال هي على وجه الخصوص الطاعة، أما عدم الصبر فهو أم جميع الخطايا والشيطان هو أبوها، ولابد أن ترتليان كتبه ما بين عام 200: 203م، ويعتبر مصدرًا هامًا لمعرفتنا بشخصية المؤلف، وقد أستعان به القديس كبريانوس في عمله "عن الصبر الحسن".
6ـ عن التوبة :
يتمتع هذا الكتاب بأهمية فائقة في تاريخ قوانين التوبة في الكنيسة، خاصة وأن المؤلف الأفريقي كتبه قبل إنحرافه عن الإيمان المستقيم. وقد وضعه في الغالب نحو عام203م، ويتكون من قسمين.
7ـ إلى زوجته :
كتب ترتليان ما لا يقل عن ثلاثة كتب عن الزواج وتكرار الزيجة، الأول كتبه أيام أن كان مستقيم الإيمان، والثاني أيام أن كان نصف مونتاني، والثالث بعد أن قطع نفسه من الكنيسة المقدسة وسقط في البدعة المونتانية، والكتاب الأول "إلى زوجته" هو أفضل هذه الثلاث، وقد كتبه ما بين عامي 200: 206م، وهو يتكون من قسمين، ويتضمن نصائح لزوجته كي تسلك بحسبها بعد نياحته، والتي يتركها في شكل وصية ميراث روحية لها.
8ـ حث على العفة :
وجه ترتليان هذا الكتاب إلى أحد أصدقائه الذي فقد زوجته حديثًا، وإذ ينصحه ترتليان ألا يتزوج ثانية، يتناول مرة أخرى موضوع الزيجة الثانية الذي يرفضه ويعتبره مخالفة لإرادة الله، بل إنه يرى أن الزواج الثاني ما هو إلا نوع من الزنا (!!) وهنا يتضح ميله إلى المونتانية، ويستشهد بكتابات مونتانية في هذا العمل الذي يبدو أنه كتبه ما بين عامي 204: 212م.
9ـ الزيجة الواحدة :
هذا العمل هو الثالث في ترتيب الكتب التي وضعها ترتليان عن الزواج، وهو أكثرهم حسنًا في الأسلوب وإنحرافًا في المضمون، ومن المقدمة يتضح لنا أن ترتليان قد ترك الكنيسة الأرثوذكسية المستقيمة وأنضم إلى المونتانيين منحرفي الإيمان. ويرى في هذا الكتاب أيضًا أن الزواج الثاني ما هو إلا نوع من الزنا (!!)، ويعود تاريخ وضع هذا الكتاب إلى نحو عام 217م.
10ـ عن خمار العذارى :
يعالج هذا الكتاب موضوعًا كان ترتليان يرى فيه أهمية قصوى، ويتضح من المقدمة أنه قد كتب قبلاً باليونانية عن نفس هذا الموضوع. بعد التحدث عن هذه العادة وتطورها التدريجي، يوضح ترتليان أن التقاليد المعاصرة له التي تحث المرأة أن تخفي وجهها في مناسبات عديدة، تنطبق على المتزوجة وغير المتزوجة، دون ن يُستثنى أحد من هذه القاعدة، إذ أن الكتاب المقدس والطبيعة والسلوكيات الحسنة جميعها تحث العذراء على تغطية رأسها، وإذا كانت تفعل ذلك خارج الكنيسة فلما لا تفعله داخلها؟ وقد كتب ترتليان هذا العمل نحو عام 207م.
11ـ الإكليل :
يوضح ترتليان في هذا الكتاب أن إرتداء الأكاليل لا يتفق مع الإيمان المسيحي، ويقول أنها عادة وثنية مرتبطة بعبادة الأوثان، ولم يحدث أن ذكر العهد القديم أو الجديد هذه العادة. وتسود في هذا الكتاب الأفكار المونتانية التي سقط فيها ترتليان، ويرجع تاريخ الكتاب لعام211م.
12ـ عن الهروب في زمن الاضطهاد :
يطرح ترتليان في هذا الكتاب سؤالاً هامًا: هل يُسمح للمسيحيين أن يهربوا في زمان الإضطهاد؟ وتأتي إجابته بالنفي، لأن الهروب يخالف إرادة الله، لأن الإضطهادات تأتي بسماح منه كي يتقوى إيمان المسيحيين، رغم أننا لا نستطيع أن ننكر أن للشيطان دورًا فيها. وقد أرسل ترتليان هذا الكتاب إلى صديقه فابيوس ويسود في هذا العمل أيضًا فكره المونتاني، لذلك لابد أنه كتبه نحو عام212م.
13ـ عن عبادة الأوثان :
يتناول ترتليان في هذا الكتاب سؤالاً هامًا: هل يُسمح للمسيحي أن يخدم في الجيش؟ ولكنه يخرج من هذه النقطة إلى موضوع آخر، إذ يريد أن يحرر المؤمن من كل شيء يربطه بالوثنية، ولا يكتفي بإدانة صانعي وعابدي الصور الوثنية، بل يدين أيضًا كل مهنة أو فن لها علاقة بالوثنية، لذلك يرى أن علماء الفلك والتنجيم والرياضيين والمدرسين وأساتذة الأدب، بجانب السحرة ومدربي المصارعين وخلافهم هم جميعًا مرفوضون من الكنيسة.
14ـ عن الصوم :
في هذا الكتاب يهاجم ترتليان المونتاني الكنيسة المقدسة في موضوع الصوم.
15ـ عن الاعتدال :
مثل الكتاب السابق، يهاجم ترتليان الكنيسة في هذا العمل ولكن في موضوع أكثر أهمية وهو سلطان المفاتيح، والذي بحسب المونتانية لا يخص الهيرارخية الكنسية، بل الروحية أي الرسل والأنبياء (!!).
16ـ عن العباءة :
وهو أصغر أعمال ترتليان ويتكون من 6 فصول فقط، وقد كتبه مدافعًا عن نفسه عندما اُنتقد بسبب تغير سلوكه في الحياة اليومية، إذ ترك عنه إرتداء العباءة وبدأ يرتدي التوجة toga (وهو ثوب روماني فضفاض).
د. جورج عوض إبراهيم
دكتوراة فى العلوم اللاهوتية
باحث فى المركز الارثوذوكسى للدراسات الابائية
دكتوراة فى العلوم اللاهوتية
باحث فى المركز الارثوذوكسى للدراسات الابائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] مأخوذة بتصرف عن كتاب "العلامة ترتليان" ترجمة وإعداد أنطون فهمي جورج، 1994، ص15ـ60.